لا تهدأ محركات رئيس الحكومة اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة، فالرجل الذي تلا بيان الاجتماع الشهير الذي عقده رؤساء الحكومات السابقون في «بيت الوسط» وانتهى إلى تأييد تسمية مصطفى أديب رئيساً مكلفاً يعتبر البوصلة السياسية لحركة ومشاورات الرئيس المكلف. مواقفه مبدئية وترتكز في مقاربة أي معضلة على التمسك باتفاق «الطائف» والعودة إلى «النص».

«الجريدة» حاورت السنيورة بعد ساعات من فرض عقوبات أميركية على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس وما قد يكون لتلك الخطوة من انعكاسات على الداخل اللبناني.

Ad

يتساءل السنيورة عن توقيت العقوبات «فهل كان ضرورياً القيام بهذا الأمر الآن أو الانتظار أسبوعاً حتى تأليف الحكومة؟».

يملك السنيورة تصوراً واضحاً لشكل الحكومة الجديدة بأن تكون «مصغرة وفعالة أفضل من الفضفاضة التي تتلهى بالمناكفات». ينسف ما يتداول عن أحقية الطوائف التمسّك ببعض الوزارات بالقول: «كله اختراعات وليس له علاقة بالدستور. اتفاق الطائف واضح». وفي ما يلي نص الحوار:

• من هو الرئيس المكلف مصطفى أديب؟ ولماذا رشّحتموه هو بالذات؟

- هو دبلوماسي محترم وكفء. كل الفكرة من ترشيح أديب هو أن ينجح لبنان في تخطي الجرثومة الخبيثة التي عصفت ببلدنا والأحزاب اللبنانية، والتي أدت الى استتباع الدولة اللبنانية من الأحزاب عبر الإقطاعيات. الخروج من ذلك قد يكون من خلال اقتراح اسم ليس محسوباً على أحد، وليس تابعاً حزبياً، ولا أخفي أن ذلك رهان بالنسبة إلينا، فالرجل لا خبرة حكومية لديه.

• من سمى أديب لرئاسة الحكومة؟

- طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري تسمية مرشح لتشكيل الحكومة الجديدة، فأجابه على الفور بأنه يسمّي الدكتور أديب، فردَّ الرئيس ماكرون أنه يفضل ان يأتي هذا الاسم ضمن 3 أسماء، فأجابه الرئيس الحريري: ليكن مع الدكتور أديب، رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي ورئيس مجلس ادارة شركة طيران «الشرق الأوسط» محمد الحوت. لا علاقة لتسمية أديب، لا بالرئيس ميقاتي ولا بشقيقه طه ولا بالرئيس ماكرون، فقط الرئيس الحريري له علاقة بتسمية أديب.

تسمية أديب تضحية كبيرة، مقابلها هو مكسب للبلد بالعودة إلى الطائف والدستور، وعلينا أن نرى الأمور بخواتيمها، وما يجري قبل التشكيل هو أن «كل شخص يكبّر مهر ابنته». أنا لست صاحب دكانة ولا أتصرف بناء على ذلك، بل أتصرف كرجل مسؤول، البلد يضحي بأن يأتي بشخص يتمتع بمواصفات عديدة، لا خبرة سياسية له، وما يمكن تحقيقه هو بالعودة لاحترام الدستور، ولا أتحدث أن رؤساء الحكومات ضحوا، بل لبنان ضحى فكان بإمكان سعد الحريري وتمام سلام وأنا ونجيب ميقاتي أن نكون رؤساء، لكن ما قمنا به هو لإنقاذ البلد، وهناك من هو غير مدرك أنه بعد شهرين لن يكون بإمكاننا ان نستورد القمح ولا الأدوية.

• وما هي المصلحة الفرنسية؟

- لا يخفى أن الفرنسي لديه مصالح في لبنان والعراق وفي إيران، ويسعى ليكون له موطئ قدم في هذه الدول واستراتيجية لمواجهة تركيا، وأيضاً في حال أعيد تركيب المنطقة أن يكون له رأي، فضلاً عن سعيه للتأثير على الاتحاد الأوروبي وتحديداً بعد خروج إنكلترا، وأيضاً استعداد المستشارة الألمانية انجيلا ميركل للمغادرة... إنها مغامرة فرنسية، ولا نستطيع نحن في لبنان أن نغفل هذه النافذة.

اتهامات باطلة

• صحيفة «الأخبار» قالت قبل يومين إنك تدير أديب، هل هذا صحيح؟

- «ألاخبار» درجت على إطلاق كم كبير من الاشاعات والاتهامات، والخبر لا يتسم بالصحة، فأنا لم ألتق أديب.

• وعن رعاية رؤساء الحكومات السابقين لأديب؟

- نحن عبّرنا عن رأينا، وليس في ذلك إلزام لكل الناس، وإذا أراد العهد أن يصلح حاله فهذه فرصة له، وإذا لا يريد فيكون قد ضيّع الفرصة عليه وعلى البلد، ولم نمس الدستور بل عرضنا اقتراحنا وإبداء الرأي كان ضرورياً بعد حفلة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، وبعد حفلات الاستهزاء بالطائف.

• هل نصحته بعدم لقاء الأطراف السياسيين والإقدام على تشكيل حكومة؟

- أنا مع هذا التوجه. المسؤولية الأساس ملقاة على عاتق الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية لديه التوقيع. امتحان الرئيس المكلف في مجلس النواب، وعليه تأليف الحكومة لتمر هناك، وليس لدى رئيس الجمهورية. رئيس الحكومة يقول ان لديه تصورا، وهذا كلام واقعي.

أيادي الكويت أنقذت جزءاً كبيراً من بيروت

أكد السنيورة ان «أيادي الكويت أنقذت جزءا كبيرا من العاصمة، فالكويت هي التي مولت إعمار الإهراءات عام 1969، وبالتالي لو لم يكن هذا الإهراء لكان دمر جزء كبير من العاصمة، وتحديدا منطقة رأس بيروت جراء العصف الذي امتصه مبنى الإهراء».

وتابع: «فور حصول الانفجار اتصلت بالصديق وزير المالية السابق بدر الحميضي، وطلبت منه تبني عملية إعادة إعمار الإهراءات»، مضيفا: «بعد اسبوع زارني سفير الكويت في بيروت عبدالعال القناعي، وتمنيت عليه تبنّي موضوع اعادة إعمار الاهراءات، فقاطعني وقال: جرى طرح هذا الموضوع في الكويت ورئيس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد اتخذ قرار تبنّي هذا الموضوع».

وختم: «أغتنم هذه المناسبة لأحيي مواقف الكويت في أكثر من مجال، سواء كان سياسيا او اقتصاديا او ماليا، ولدي الكثير من المودة والاحترام والتقدير لامير الكويت الشيخ صباح الأحمد ودولة الكويت وللشعب الكويتي».

حكومة إنقاذ

• كيف ترى شكل الحكومة المقبلة؟

- في هذا الظرف الحكومات المصغرة فعّالة أكثر وتجيد استخدام الوقت بشكل أفضل من الحكومات الفضفاضة، التي تستهلك الوقت في النقاشات والخلافات. هذه حكومة إنقاذ، وكل همنا هو استعادة ثقة اللبنانيين بالدولة واستعادة ثقة العالم العربي والدولي بالدولة، وهذا لا يحصل إلا بالممارسة.

• هل تتوقع انفتاحاً عربياً على حكومة أديب؟

- أديب يتمتع بالصفات الأساسية، واستناداً الى شكل الحكومة الجديدة ومكوناتها وكيفية اتخاذها القرارات تستطيع اعادة الثقة. لدينا تجربة طويلة من النكول والنكوث بالتعهدات، ولبنان في عزلة بسبب الممارسات السابقة التي فتحت المشاكل مع العالم العربي.

• ماذا عن الموقفين الخليجي والأميركي؟

الموقف الخليجي يشبه الأميركي، أي الاثنان في موقع المراقبة، وإذا نجحت العملية يتبنيانها، وأعتقد أن السعودية في حالة انتظار.

• هل تؤيد مبدأ المداورة في الوزارات؟ بعض الأطراف ترفض ذلك تحت ستار ميثاقية «التوقيع الثالث»، وتحديداً في وزارة المالية.

- هذا كله اختراعات وليست له علاقة بالدستور. اتفاق الطائف واضح، لا حقيبة حكر على طائفة ولا طائفة ممنوعة من شغل منصب وزاري. أعطي مثلا: في السابق تبوأ درزي وزارة الداخلية. هناك من يخالف الدستور ويعتبر أنه يحقق مكاسب على حساب الآخرين.

• ما هو تقييمك للعقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية مساء الثلاثاء الماضي على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس؟

- هذه القرارات ليست جديدة، وواشنطن تقوم بذلك استناداً إلى موقفها من «حزب الله» وإيران، ولم أكن أتوقع أن يصار إلى القيام بهذه الإجراءات بحق هذين الشخصين. لست في موقع التعليق على صوابية الموقف الأميركي، بل أتساءل: هل كان من الضروري القيام بهذا الأمر الآن أو الانتظار لأسبوع حتى تأليف الحكومة؟ وما هي الأسباب التي دفعتهم لإعلان ذلك الآن.

• هل تنعكس العقوبات تشدداً في موقف «حزب الله» لناحية تأليف الحكومة؟

- ما أتمناه هو ألا تنعكس هذه العقوبات على تأليف الحكومة، والأمور لا تعالج بالتشدد.

• برز في الأيام الماضية كلام عن «صيغ جديدة» من نوع مؤتمر تأسيسي ولا مركزية ادارية موسعة، ما هو موقفكم؟

- هذا كلام أناس لا يتبصّرون ولا يدركون. دفعنا 150 ألف قتيل للوصول الى الصيغة الحالية، وعلينا تطبيق اتفاق الطائف. النظام الحالي طالب بمجلسين: مجلس نواب ومجلس شيوخ. مجلس النواب يدافع عن مطالبك كفرد ومواطن، أما مجلس الشيوخ فيحفظ حقوق الطوائف ولا يمس بها، وبذلك تكون قد خلقت نوافذ كي نتنفس من خلالها. هناك شعور بالظلم لدى اصحاب الكفاءة ونشهد هجرة أدمغة غير مسبوق لها.

دعوة التحييد

• هل تدعمون نداء البطريرك الماروني بشارة الراعي المطالب بالحياد؟

- فكرة تحييد لبنان عن الصراعات والمحاور في المنطقة هي أمر ضروري، وهذا في جوهر لبنان ودوره. هناك مطامع لبعض الأشخاص الذين يضحون بمصالح الوطن لأغراض شخصية. علينا استخلاص العبر والدروس، ونحن لسنا قادرين على وضع بلدنا في ممر الأفيال الاقليمية. الجنرال عون تبوأ الرئاسة والثمن على الدولة اللبنانية. الخطوة الأولى تكمن في اعادة الاعتبار إلى الدولة واحترام اتفاق «الطائف» والدستور ومصالح الدولة واستقلالية القضاء.

• هل استفزتك زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية الى لبنان، وكل ما رافقها من مواقف وعراضات مسلحة؟

- من دون أدنى شك. أن يأتي هنية للمشاركة في مؤتمر لدعم فلسطين فلا مشكلة في ذلك (مع تحفظي على مواقفه السياسية)، أما أن يأتي لحضور عراضة عسكرية في أحد المخيمات فهذا غير مقبول.

• من يتحمل المسؤولية؟

- أين هي الدولة؟ رئيس الجمهورية يتحمّل المسؤولية. الدولة غائبة، والدولة الحقيقية هي دولة «حزب الله» التي أتت به ورعته وحمته.

نعرف أن المشكلة الاساسية هي «حزب الله»، ووجود دويلة اكلت الدولة ودويلة تسيطر على كل شيء وتسيطر على المرفأ مثلاً، هذه مشكلات موجودة، لكن هل موضوع توقيع التشكيلات القضائية يحتاج إلى موافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو الرئيس الأميركي دونالد ترامب؟ إذاً إصلاح الكهرباء ينتظر مجلس الامن؟ نعم اقتلعت الدولة من قبل الدويلة، وباتت الامور واضحة، وهم تحت ضغط نعم، وكلهم يضربون اخماساً بأسداس.

• كيف تقيّمون مسار السلام المستجد بين إسرئيل والإمارات؟

- لا أرغب في التعقيب على هذا الموضوع. موقفنا واضح وهو دعم المبادرة العربية للسلام.

مصادفة حمتني من انفجار المرفأ... وهناك طرف يملك كل الأجوبة

كشف الرئيس السنيورة أنه كان جالسا في مكتبه لحظة وقوع انفجار المرفأ الشهر الماضي، وقال انه اعتقد ان الانفجار وقع تحت منزله (نفس مبنى المكتب). واضاف: «صادف انه قبل الانفجار كان لديّ احد الضيوف الذي رغب في تدخين سيجارة وبعد مغادرته (الضيف) دخل مرافقي وفتح النافذة لتهوئة الغرفة، ثم حصل الانفجار»، مبينا ان الصدفة حمته «فلو كانت النافذة مقفلة لكان تطاير الزجاج باتجاهي، كما حصل في منزلي الذي تكسرت فيه كل الواجهات الزجاجية».

واعتبر السنيورة ما جرى بمنزلة «قنبلة نووية صغيرة»، متأسفا لأن «الأمور تبدو مركزة على جوانب تفصيلية من هذه العملية»، وتساءل: «من وضع تلك الكميات من نيترات الأمونيوم في المرفأ؟ وكيف وصلت الباخرة إلى بيروت؟ وكيف حصلت العملية؟ ومن يملك الباخرة؟»،

وأشار إلى «وجود يد خفية أو طرف معين في لبنان تابع وواكب ويملك الإجابة على كل تلك التساؤلات»، متابعا: «هناك مستودعات وكميات من المواد الكيماوية في المرفأ التي تدخل في صناعة المتفجرات والصواريخ»، متسائلا: «من وراء وجود تلك المواد؟».

وحول كيفية تصرفه في حال كان في سدة المسؤولية (رئاسة الحكومة)، قال السنيورة: «تستقيل الحكومة مباشرة، ففي مواضيع أقل شأنا من ذلك، تستقيل الحكومات. صحيح انها ليست مشاركة بشكل مباشر في الجريمة لكنها مسؤولة»، مضيفاً: «الأخطر من ذلك أنه بعد الذي حصل لم أر ردة فعل على قدر من المسؤولية. انفجار بحجم قنبلة نووية ولا نزال نسمع بالمزايدات. هناك عاصمة بلد دمرت والخسائر المادية المباشرة وغير المباشرة قد تصل الى 15 مليار دولار».