شهدت أسواق الأسهم العالمية شهرا آخر من المكاسب في أغسطس، على خلفية التفاؤل بالتوصل إلى لقاح ضد كوفيد 19، وآمال تعافي الاقتصاد العالمي، وتعهد الاحتياطي الفدرالي الأميركي بإدخال المزيد من التدابير التيسيرية على سياسته النقدية، إلى جانب الدعم الذي وفرته أسهم قطاع التكنولوجيا.

وحسب الموجز الاقتصادي، الصادر عن بنك الكويت الوطني، جاءت الأسواق الأميركية في الصدارة بارتفاع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 7 في المئة، فيما يعد أفضل أداء يشهده المؤشر خلال أغسطس 1984، ليستعيد بذلك مستويات أعلى من تلك التي سجلها قبل الجائحة، رغم المخاوف بشأن انفصال أداء الأسهم عن الظروف الاقتصادية التي ما زالت هشة.

Ad

كما تلقت عائدات السندات الأميركية لأجل 10 سنوات دعما ملحوظا جراء توقعات الانتعاش، على الرغم من بقائها عند مستوى 0.69 في المئة، والذي يعد أدنى مستوياتها التاريخية، وتأثر أداء الدولار سلبا بالمناخ الاستثماري المصحوب بالمخاطر، إضافة إلى السياسة النقدية التيسيرية، إذ وصل الوزن الترجيحي لمؤشر الدولار إلى أدنى مستوياته المسجلة منذ عامين.

قوة البيانات الأميركية

ساهمت بعض البيانات الاقتصادية، الصادرة عن الولايات المتحدة، إلى جانب الانخفاض المطرد في عدد حالات الإصابة بالفيروس خلال أغسطس، في تعزيز آمال تعافي الاقتصادي الأميركي على الرغم من استمرار المخاوف المحيطة بضعف أوضاع سوق العمل والافتقار إلى حوافز مالية جديدة.

وتم تعديل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من عام 2020، ورفعه هامشيا، إلا أنه لايزال متراجعا بمعدل تاريخي بلغت نسبته 31.7 في المئة نتيجة لضعف الاستهلاك الخاص (-34.1 في المئة) والاستثمار (-28.9 في المئة)، ورغم ذلك أظهرت المسوحات الاستقصائية أن النشاط الاقتصادي قد انتعش بقوة في الربع الثالث، إذ صعد مؤشرا مديري المشتريات التصنيعي (56.0) وغير التصنيعي (56.9) إلى مستويات قوية بفضل سجلات الطلبات القوية.

كما انتعش الإنفاق الاستهلاكي منذ يوليو مقترباً من مستويات ما قبل الجائحة، بفضل إعادة فتح الأعمال والتدابير الحكومية لدعم الدخل. وفي ذات الوقت، تحسن نشاط قطاع الإسكان ووصل إلى أعلى مستوياته المسجلة في 13 عاما، على خلفية الطلب المكبوت.

في المقابل، أشارت بعض التقارير إلى هجرة عكسية خارج المدن الكبرى كإحدى تداعيات تفشي الجائحة، ويشير إجماع الآراء ضمن المسوحات إلى تسجيل انتعاش اقتصادي بمعدلات نمو قياسية بنسبة 20-30 في المئة في الربع الثالث، إلا أن المسار يصبح أقل وضوحا بعد تلك الفترة.

وسوف تتوقف صلابة واستمرارية الانتعاش إلى حد ما على سوق العمل، الذي يعتبر ضعيفا جدا على الرغم من تحسنه، إذ ارتفعت معدلات الوظائف غير الزراعية بمقدار 1.4 مليون وظيفة في أغسطس، بما يتوافق مع إجماع الآراء، وإن كان صافي التراجع مازال بواقع 11.5 مليون وظيفة منذ فبراير الماضي، في حين أن معدل البطالة - على الرغم من مساره الهبوطي - ظل مرتفعا عند مستوى 8.4 في المئة، على الرغم من خروج ملايين الأشخاص من القوى العاملة منذ فبراير، وبالتالي لم ترد بياناتهم ضمن إحصاءات البطالة.

الجدير بالذكر أيضاً أن ثقة المستهلك فشلت في استعادة قوتها بشكل ملموس في الأشهر الأخيرة، مما يشير إلى إمكانية تراجع الإنفاق الاستهلاكي مع تلاشي الدعم الناتج عن التدابير التحفيزية السابقة. من جهة أخرى، فشل الديمقراطيون والجمهوريون حتى الآن في إقرار مشروع قانون مساعدات تحفيز الاقتصاد لتوفير دعم جديد للمستهلكين واتخاذ التدابير اللازمة لتحسين إعانات البطالة (انتهت الدفعة السابقة في يوليو).

ويسعى الديمقراطيون للتوصل إلى حزمة تحفيز بقيمة 2.2 تريليون دولار، إضافة إلى التدابير التي تم إقرارها بالفعل بقيمة 3 تريليونتن دولار، في حين يسعى الجمهوريون للتوصل إلى صفقة تتراوح بين 0.5 و1 تريليون، تتضمن ايضا استبعاد بند تقديم الدعم لحكومات الولايات والحكومات المحلية الوارد ضمن اقتراح منافسيهم.

وفي ذات الوقت، طرأ تحول بسيط وإن كان في غاية الأهمية على سياسات الاحتياطي الفدرالي، إذ أعلن رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جاي باول أن البنك سيستبدل المستوى المستهدف حاليا للتضخم، البالغ 2 في المئة، بآخر يستهدف تحقيق نفس المعدل في المتوسط ضمن مدى زمني.

وفي ظل الظروف الحالية، ومع بلوغ معدل تضخم مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي (المقياس المفضل لدى الاحتياطي الفدرالي) مستوى 1.3 في المئة على أساس سنوي في يوليو، ووصوله في المتوسط إلى 1.6 في المئة فقط على مدى العقد الماضي، يعني ذلك ضرورة تجاوز التضخم لمستوى 2 في المئة على المدى المتوسط.

وتؤكد تلك الخطوة عزم الاحتياطي الفدرالي الإبقاء على السياسة النقدية التيسيرية لفترة طويلة، وعلى الرغم من وصول معدل التضخم بالفعل إلى ما دون المستويات المستهدفة، فإنه لا يتوقع أن يؤثر ذلك كثيرا على قراراته على المدى القريب، وتتمثل إحدى الانتقادات الموجهة لتلك التغييرات في أن المستوى "المتوسط" المستهدف قد يصعب تفسيره، مما قد يؤدي إلى الارتباك بالرغم من توفيرها لبعض المرونة.

وفي إطار التعديلات الاخرى التي استحدثها الاحتياطي الفدرالي، سيقوم في المستقبل باتخاذ التدابير لمعالجة نقص العمالة عن الحد الأقصى، عوضا عن تقييم "الانحرافات" عن الحد الأقصى، مما يشير إلى التحيز نحو اتباع سياسات تيسيرية بمرور الوقت.

الاقتصاد الأوروبي

بعد الاداء الذي شهده الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو، وتراجعه في الربع الثاني بنسبة 12.1 في المئة على أساس ربع سنوي، من المتوقع أن يشهد اقتصاد منطقة اليورو انتعاشا قويا خلال فترة ما بعد الإغلاق، ليرتفع بحوالي 8 في المئة في الربع الثالث، إلا أن التعافي مهدد بارتفاع حالات الإصابة بالفيروس في بعض الدول "الرئيسية" وخاصة إسبانيا وفرنسا، إذ شهدت إسبانيا فرض تدابير احترازية جديدة في مدريد وقيودا على السفر من دول أوروبية أخرى مما أضر بثقة الأعمال وموسم السياحة الصيفية.

وأثر ذلك على مؤشر مديري المشتريات المركب، إذ عاد إلى منطقة الانكماش في أغسطس بوصوله إلى مستوى 48.4، وفي ألمانيا، التي استفاد اقتصادها من القوة النسبية لقطاع الصناعات التحويلية وتطبيق تدابير إغلاق أقل حدة وقوة الدعم الحكومي، فقد يكون الانتعاش قد فقد بعض زخمه في ظل ارتفاع الإنتاج الصناعي بنسبة أقل من المتوقع بلغت 1.2 في المئة على أساس شهري في يوليو، وتراجع مبيعات التجزئة بنسبة 0.9 في المئة على الرغم من خفض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 3 في المئة اعتباراً من ذلك الشهر.

إلا أن الحكومة الألمانية قامت بتعديل توقعاتها للناتج المحلي الإجمالي للعام الحالي لتظهر الآن انكماشا بنسبة -5.8 في المئة مقابل نسبة -6.3 في المئة السابقة، ويعزى ذلك جزئيا إلى مرونة سوق العمل ونجاح مخطط الاستغناء مؤقتاً عن العمالة ونظام استبدال الأجور.

من جهة أخرى، تراجع معدل التضخم في منطقة اليورو ودخل المنطقة السلبية في أغسطس، إذ وصل إلى -0.2 في المئة على أساس سنوي، بينما انخفض المعدل الأساسي إلى أدنى مستوياته المسجلة على الإطلاق عند مستوى 0.4 في المئة، وقد ارتبط هذا التراجع جزئيا بتأخير المبيعات الصيفية وخفض ضريبة القيمة المضافة في ألمانيا مؤقتا، فضلا عن الضعف العام للأوضاع الاقتصادية، على خلفية تداعيات الجائحة. إلا أن هناك ضغوطا أخرى يتعرض لها التضخم نتيجة قوة أداء اليورو الذي ارتفع بأكثر من 10 في المئة مقابل الدولار منذ منتصف مايو، ليصل إلى أعلى مستوياته المسجلة في عامين عند 1.20 دولار تقريبا.

وتتضمن الأسباب الكامنة خلف قوة أداء اليورو – أو بالأحرى التي تعكس ضعف الدولار - خفض الاحتياطي الفدرالي لأسعار الفائدة وتضييق هوامش الفروق في أسعار الفائدة (ومؤخرا تحول سياسة الاحتياطي الفدرالي الخاصة بالتضخم) وفشل الولايات المتحدة في إعلان خطة تحفيز مالي جديدة وبداية ظهور بوادر انتعاش على الاقتصاد الأوروبي، والتوصل في شهر يوليو الى اتفاقية التحفيز المالي على مستوى الاتحاد الأوروبي، والتي من شأنها تعزيز النمو وتقليل الانقسام الإقليمي.

ومن المتوقع أن يقوم البنك المركزي الأوروبي، في اجتماعه المقرر انعقاده منتصف سبتمبر، بخفض توقعاته الخاصة بالتضخم - التي تبلغ 1.3 في المئة فقط بحلول عام 2022، وهي أقل بكثير من مستوى 2 في المئة المستهدف - ونتيجة لذلك يواجه دعوات متزايدة لتيسير سياساته، إلا أن أحدث التصريحات الصادرة عن مسؤولي البنك المركزي الأوروبي تشير إلى أنه من غير المحتمل اتخاذ تدابير رئيسية فورية.

انكماش ياباني

وكشفت الأرقام الصادرة في أغسطس عن مدى شدة انكماش الاقتصاد الياباني في الربع الثاني من 2020، إذ انخفض الإنتاج بمعدل قياسي بلغ 27.8 في المئة على أساس ربع سنوي (على أساس سنوي)، كما أضر الإغلاق بالإنفاق الاستهلاكي والاستثمار والصادرات، وتضرر الأخير أيضاً من ضعف الطلب الخارجي. إلا أن أحدث البيانات تعكس انتعاشاً متواضعاً لمبيعات التجزئة وإنتاج المصانع، وهو الأمر الذي قد يدفع بنك اليابان إلى تعديل تقييمه للنمو الاقتصادي للفترة المتبقية من العام الحالي.

وكان شهر أغسطس أيضا من الأشهر المهمة نظراً لاستقالة شينزو آبي لدواع صحية، وهو أطول من بقي في منصب رئاسة الوزراء في اليابان. ويترك آبي خلفه إرثاً من السياسات المتوازنة والإيجابية والهادفة إلى التغيير، حتى إن عجز عن تحقيق العديد من أهدافه المعلنة. وسعت السياسة الاقتصادية التي انتهجها رئيس الوزراء شينزو أبي والتي يطلق عليها مسمى «أبينوميكس» إلى تحفيز النشاط الاقتصادي لليابان التي تعاني «عقودا ضائعة» من الركود الاقتصادي والانكماش، وانخفاض معدلات النمو، على خلفية ارتفاع نسبة المسنين، وذلك من خلال تطبيق بعض الإصلاحات الهيكلية لتعزيز الإنتاجية، وتطبيق سياسات مالية ونقدية أوسع نطاقاً. وتضمنت أبرز المبادرات قيام بنك اليابان بعمليات شراء ضخمة للأصول، وغيرها من تدابير التحفيز المالي، وتوسيع مشاركة المرأة في القوى العاملة، وتطبيق إصلاحات جوهرية على صعيد حوكمة الشركات.

وفي ظل نظام حكم آبي، بلغ متوسط النمو السنوي لليابان 1.1 في المئة في الفترة ما بين 2012 و2018، وشهدت أدنى معدلات البطالة منذ عقود، كما ارتفع مؤشر نيكاي إلى مستويات لم يشهدها منذ أوائل التسعينيات، بالرغم من وجود بعض العثرات التي تمثلت بإدخال زيادتين على ضريبة الاستهلاك، مما دفع الاقتصاد إلى الركود، هذا إلى جانب الفشل في الوصول إلى مستوى التضخم المستهدف بنسبة 2 في المئة، وإن كان قد أصبح إيجابياً، وارتفعت مستويات الدين العام إلى نسبة 238 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، والتي تعد الأعلى على مستوى العالم.

ومن المتوقع أن يواصل خليفة آبي، الذي من المرجح أن يكون من بين أعضاء الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم الذي ينتمي إليه آبي، تطبيق سياسات مماثلة.

قطاع الخدمات الصيني يقود الانتعاش الاقتصادي

استمر انتعاش ما بعد الجائحة في الصين خلال شهر أغسطس، وانتزع قطاع الخدمات مركز الريادة من قطاع الصناعات التحويلية، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن مؤشر مديري المشتريات، إذ شهد المؤشر غير التصنيعي الرئيسي نمواً هائلاً، ووصل إلى أعلى مستوياته المسجلة منذ أوائل عام 2018 (55.2 مقابل 54.2 في يوليو). وقد ساهم تخفيف قيود السفر الداخلية في تعزيز السياحة المحلية. وتراجع المؤشر التصنيعي الرسمي هامشياً في أغسطس، على الرغم من بقائه في المنطقة التوسعية (51) بدعم من زيادة الطلبات الجديدة، إلا أن الصادرات ظلت منخفضة (49.1) للشهر الثامن على التوالي نتيجة لاستمرار ضعف الطلب الخارجي على خلفية استمرار حالات الإصابة بفيروس كورونا على مستوى العالم. وعكست دراسة استقصائية صادرة عن (Caixin / Markit) للشركات الصينية الاصغير حجماً صورة مماثلة أوضحت قوة الاستهلاك المحلي ومساهمة ذلك في تعويض ضعف الطلب الخارجي. وتجاوز المؤشر توقعات المحللين في أغسطس، إذ ارتفع إلى 53.1 مقابل 52.8 في يوليو، ليسجل بذلك أعلى معدل نمو منذ يناير 2011.

كما أدت التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة واعتماد البلاد على الطلب الخارجي، وهو الأمر الذي بينته الجائحة مرة أخرى، في تسريع إعادة توجيه السلطات للاقتصاد نحو الاستهلاك المحلي.

ومن المتوقع أن يتم تساهم سياسة «الدورة الاقتصادية المزدوجة» التي يتبعها الرئيس شي - في زيادة الاعتماد على الذات إلى جانب الاستثمار والتكنولوجيا الجديدة خلال الأشهر المقبلة.

استمرار تأثير ضغوط الطلب على أسعار النفط

ارتفعت أسعار النفط للشهر الخامس على التوالي في أغسطس، حيث سجلت أسعار العقود الآجلة لمزيج خام برنت مكاسب بنسبة 4.6 في المئة على أساس شهري، لتنهي تداولات الشهر مغلقة عند مستوى 45.3 دولارا للبرميل، والتي تتراوح حول أعلى المستويات التي سجلتها آخر مرة في أوائل مارس.

وتحركت الأسعار ضمن نطاق محدود (44-46 دولاراً للبرميل) على مدار الشهر بأكمله، إلا أن مكاسب الأسعار الدورية أثبتت أنها مؤقتة نظراً لتزايد حالات الإصابات بفيروس كورونا والضعف الاقتصادي واسع النطاق الذي قد يتبع ذلك.

وكانت الصين، التي استوردت كميات قياسية من النفط الخام في يونيو ويوليو (أكثر من 12 مليون برميل يومياً) من أهم الجهات المساهمة في تحسن مستويات الطلب، حتى وإن كان معظم هذا الطلب بهدف الاستفادة من الأسعار المنخفضة خلال هذه الفترة.

وفي مستهل شهر سبتمبر، عاودت الأسعار اتجاهها التراجعي مرة أخرى في ظل ظهور مخاوف بشأن ضعف الطلب نتيجة لتفشي فيروس كورونا وزيادة عدد منصات حفر النفط في الولايات المتحدة على أساس أسبوعي للمرة الثانية خلال ثلاثة أسابيع وعودة إمدادات «أوبك» وحلفائها، إذ شهد أغسطس قيام مجموعة المنتجين بتقليص معدلات خفض الإنتاج بواقع 9.7 ملايين برميل يومياً، وقاموا بزيادة إمداداتهم للمرة الأولى منذ أبريل، بحد أدنى مليون برميل يومياً.

وفي ظل حالة عدم اليقين تجاه معدلات الطلب واستمرار ارتفاع مخزونات الخام الأميركية لأعلى مستوياتها الموسمية في أكثر من 10 سنوات، لا يزال السوق متخما، وكان يجب خفض أسعار البيع الرسمية لمنتجي النفط الإقليميين للشهر الثاني على التوالي، حتى يتم تحفيز عمليات الشراء وقبل بدء موسم صيانة المصافي الواقعة في نصف الكرة الشمالي.