جاء ترشيح د. مصطفى أديب لتولي مهمة تشكيل الحكومة اللبنانية فجأة وبدون مقدمات، وتغير أسلوب الرئيس عون الذي مارسه بعد استقالة الحريري، حيث أجرى مشاورات التأليف قبل التكليف ليضمن حصته وحصة باسيل في الحكومة الجديدة، ليصادر صلاحيات رئيس الحكومة المكلف مخالفا الأعراف الدستورية التي تمنح الحق لرئيس الحكومة المكلف بإجراء مشاورات التأليف، وارتفعت حينئذ الأصوات التي تعارض هذه الممارسة، ولكن في هذه المرة يبدو أن الرئيس ماكرون مارس ضغوطا على الرئيس عون لإجراء التكليف قبل التأليف ليأتي التأليف من اختصاص رئيس الوزراء المكلف،

وهناك أنباء صدرت من لبنان تفيد أن حزب الله وحركة أمل قد نشطا سرا وعلنا للإسراع من أجل التوافق على اسم يجري تكليفه قبل وصول ماكرون إلى لبنان، وأفادت تسريبات إعلامية أنه قبل ساعة من اجتماع رؤساء الحكومات السابقين للإعلان عن الاسم المكلف الذي اختاروه، فقد بدأت التسريبات تشير إلى اسم أديب، إشارة ضمنية إلى أن قرار تسمية رئيس الوزراء لم يعد يتخذ من قبلهم، بل أصبح مصادرا من حزب الله وأمل اللذين اعتبرا نفسهما الشريك الأساسي في اتخاذ القرار، بدليل أن هذا الثنائي ظل يرفض اسم السفير نواف سلام المقبول من شريحة كبيرة من اللبنانيين، وبالأخص من الثوار والقوات اللبنانية.

Ad

وانتقد النائب نهاد المشنوق الطريقة التي اتبعها رؤساء الحكومات السابقون لتسمية مصطفى أديب، وأصدر بيانا مطولا جاء فيه، إن التزام نادي رؤساء مجلس الوزراء بالموافقة المسبقة للتحالف الحاكم وتحديدا حزب الله باسم الرئيس المكلف، يشكل تخليا عن الأمانة الوطنية التي وضعت بين أيدي الذين اؤتمنوا عليها.

الدكتور مصطفى أديب المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية، حاصل على درجة الدكتوراه في القانون والعلوم السياسية، بدأ حياته المهنية كمدرس للقانون الدولي والعام في جامعات مختلفة فرنسية ولبنانية. اختاره رئيس وزراء لبنان الأسبق نجيب ميقاتي مستشارا له في زمن الوصاية السورية، ولا يعرف ما نوع الاستشارات التي كان يقدمها في ذلك الحين، وهو متزوج من سيدة فرنسية وأب لخمسة أولاد، وهناك أنباء تشير أن تسميته كانت فرنسية بامتياز، فالفرنسيون يعرفونه جيدا خصوصا أن والد زوجته مقرب من قصر الإليزيه، وشعر أديب منذ الساعات الأولى بعد تسميته رئيسا مكلفا أنه لا يحظى بقبول شعبي، وتمنى أن يعطى فرصة يستطيع من خلالها أن يثبت قدرته على تنفيذ الإصلاحات التي يحتاجها لبنان والتصدي لجشع الفاسدين، وحاول الرجل أن يتفقد المنطقة المنكوبة في الجميزة ومار مخايل، ولكنه فوجئ أن أهالي المنطقة لم يرحبوا بتلك الزيارة، حيث طلب منه بعض الناشطين والناشطات مغادرة المنطقة مرددين "ما بدنا إياك، إنت منهم". وقد نشر على حسابه مقطع فيدو يظهر محاولة طرده، وعلق على ذلك قائلا أتفهم غضب الشارع المضطهد من السلطة الفاسدة وأتعهد باتخاذ قرارات غير مسبوقة ببند محاربة الفساد.

من الصعب التكهن في معرفة أن الرئيس المكلف سيكون قادرا بالفعل على اتخاذ قرارات لمحاربة الفساد والمفسدين وإنقاذ لبنان من محنته، ولكنه من الواضح يبدو أنه مدرك لأبعاد المشكلة اللبنانية وحاجة الدولة إلى الإصلاح، وإذا لم يقم المسؤولون باتخاذ الإجراءات الإصلاحية اللازمة فستتعرض الدولة للزوال، فهل يستطيع الرجل القيام بتلك المهمة الصعبة ليدخل اسمه في زمرة الخالدين؟

من الواضح أن الرئيس ماكرون لم يشر إلى سلاح حزب الله مكتفيا في المرحلة الراهنة بإبعاد حزب الله عن الحكومة، وإذا تمكنت تلك الحكومة من إنجاز الإصلاحات المطلوبة، ونالت ثقة الشعب اللبناني وأبعدت لبنان عن خطر المجاعة والزوال، عندئذ يمكن التفكير في مشكلة سلاح حزب الله. خصوصا أنه لاحظ تنامي التباعد بين بكركي المقر البطريركي وحزب الله، ودعوة البطريرك الماروني المتكررة إلى حياد لبنان ونزع السلاح غير الشرعي.

من المؤكد أن نصر الله سيعرقل أي خطوات إصلاحية إذا شعر أنها تهدد نفوذه، لا سيما أنه يملك أكثرية نيابية حصل عليها بقانون الانتخاب الذي فرضه بقوة سلاحه الإيراني، فإصلاح لبنان يتطلب إيجاد قانون انتخاب عادل يضمن جميع حقوق اللبنانيين، وأن تجلس جميع الأحزاب اللبنانية متساوية، دون أن يشهر عليهم حزب سلاحه ويدعي كذبا وبهتانا أنه سلاح المقاومة والممانعة ويفرض عليهم أوامره.