لا تكاد الأوساط السياسية في بغداد تلتقط أنفاسها من حدث أو واقعة حتى تدهمها تطورات أخرى معقدة جداً، فزيارة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي إلى واشنطن أعادت تعريف خلافاته مع خصومه المقربين من طهران، وحشدت تأييداً عربياً ودولياً للإصلاحات التي طالبت بها حركة أكتوبر الاحتجاجية، ويبدو أن الكاظمي تبناها في مواقفه، مع أنه يتأخر في تنفيذ الكثير منها.

وحط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس، في بغداد قادماً من بيروت، وتحدث عن دعم كبير للعراقيين إذا قرروا الانتقال من مرحلة التجاذبات الحادة إلى مرحلة الاستقرار واستكمال السيادة وإنهاء فوضى السلاح، قائلاً إن على زعماء العراق أن يقودوا مرحلة انتقالية تضمن ذلك.

Ad

وذكر ماكرون، الذي قدّم دعماً كبيراً لسياسة بغداد في الابتعاد عن المحاور، أن بلاده مهتمة بمشروع بناء مترو بغداد ومستعدة للمشاركة في مشاريع كبيرة مع العراقيين، لكن ذلك يجب أن يقترن بتدعيم سلطة القانون، مشيراً إلى أن المباحثات في حقل الطاقة باتت تتناول إنشاء محطات نووية سلمية لإنتاج الكهرباء.

وسرت شائعات كبيرة في بغداد، أمس، بأن الجيش سيدخل الإنذار بمرحلته القصوى، وأن الإجازات الاعتيادية لكبار الضباط أُلغيت. وتحدث الكاظمي عن عمليات وشيكة ستنطلق سريعاً للتعامل مع الجرائم الاستثنائية وكبار الفاسدين.

ودخل مقتدى الصدر على الخط، وأشار إلى خطورة الأوضاع، ونصح ميليشيات الحشد الشعبي بأن تحل نفسها وتبعد العناصر المسيئة التي تشارك في الفوضى، وتنقل العناصر الجيدة حسب تعبيره، لينخرطوا ويذوبوا في القوات المسلحة.

ووسط كل هذا يسود شعور بأن الإيرانيين بدأوا يفقدون السيطرة على الحوار مع بغداد، لأن الكاظمي سيمضي في إجراءات يفترض أن تعزل الميليشيات أو تحيّدها، لذلك يحذّر مراقبون من أن تذهب طهران بسبب الغضب إلى خيار آخر مثل إشعال الفتن الطائفية في بغداد، لجعل حكومة الكاظمي تنشغل بها عن أي مشروع آخر.

وانحسرت الانقسامات الطائفية منذ نحو سنتين في العراق، وانهمك الجميع في محاربة تنظيم داعش، لكن الآونة الأخيرة شهدت تراشقاً، مقصوداً كما يبدو، سنياً وشيعياً، على وقع التنافس ضمن الانتخابات المبكرة المقررة بعد نحو عام.

وقال ساسة ونشطاء إنهم يتهمون أطرافاً إيرانية بالتشجيع على إثارة النعرات الطائفية، لأن هذه هي الورقة الأخيرة التي ستستخدمها لمنع الكاظمي من العمل مع حركة تشرين الوطنية ضد تحالف الميليشيات.