هأنذا أدون أحداث الواقعة التي حدثت عشية يوم الاثنين 17 أغسطس المنصرم، والتي أثارت ضجة وردة فعل في الشارع الكويتي يُفاخر بها القاصي والداني، ويموت منها كمداً كل حاقد ومستبد وطاغ.

أحداث الواقعة غريبة وعجيبة ولا يمكنني وصفها ﺇلا هكذا، كما أشير إلى أن كل ما يتم تدوينه في هذا المقال هو من وقائع الأحداث الشخصية التي جرت لي تباعاً ليلتها مع التركيز على المضامين الرئيسة تفادياً للسرد الممل والإطالة، ولكن مع ذكر الوقائع كما هي لأزيل أي لغط أو "طنطنة" من هنا أو هناك خصوصاً من جانب المفتين المتخصصين في زيادة التوابل والبهارات في منصات التواصل الاجتماعي الذين استمتعت وأنا أقرأ بعض تعليقاتهم التي كانت مضحكة لي ﺇلى أبعد الحدود، حيث كانت أشبه بوقائع أفلام السينما التي وَجَب على منتجيها أن يتبنوا سيناريوهاتها. ناهيك عزيزي القارئ عن المغالطات في وقائع الحادثة ﺇلى حد مريب جداً يثير التعجب والاستنكار وكأنه متعمد بل مندس بفعل فاعل!! فليعذرني قرائي هذا الأسبوع حيث إن المقال له طابع وقائعي خاص هذه المرة.

Ad

ولعله من المفيد ذِكرُ خلفية عن الأحداث الواقعة، وكيف لها أن تؤثر في سياق الحديث بشكل عام، فقبيل يوم الاثنين ذاك تداعت شَكاوى من سيدتين قد ارتادتا أحد الشواطئ العامة في الكويت، وعلى حين غرة فوجئتا بقدوم كلب مسعور باتجاههما مع صاحبه مع تلقيهما أوامر بالنزوح نظراً لكونه ملكية خاصة، ورغم أن السيدتين كانتا في مكان عام على ضفاف بحر الكويت، فإن النقاش قد احتدم لينتهي برحيلهما نظراً لتوجيه تهمة التعدي على ملكية خاصة وفي ليلة زفاف أيضاً!! فببساطة ذهبت الفتاتان وهما حبيستا الغصة والدهشة معاً.

مضت بضعة أيام وسمع الكثير من رواد منصات التواصل عن تلك الحادثة، أما عني شخصياً فقد كنت قد اعتزمت الذهاب ﺇلى المكان العام نفسه مع صديق أكاديمي لي لتكون أيضاً فرصة لتبادل أطراف الحديث والاستماع لما لديه من تحليل حول نصوص الأدب الأندلسي الذي يختص به. وتم اللقاء بيننا، وفي الوقت نفسه أيضاً تم الاتفاق من أناس عدة (وعلى حدة) دون علم مني أو حتى صاحبي بأنهم سيأتون للمكان العام نفسه، وهي فرصة لهم للاستماع أيضاً كون موضوع الأدب الأندلسي يقع من ضمن اهتماماتهم.

وفي نهاية اللقاء الذي جمع سيدات وسادة منهم الأكاديمي والإداري والمختص ومن يبلغ فوق الخمسين ربيعاً، ومن هم في مقتبل عمر الدراسات العليا والجميع مبتهجون بروح المرح والنشوة من المفاهيم الشعرية والأدبية، وبعد مضي ثلاثين دقيقة وبعد انحسار ضوء الشمس، فوجئ الجميع بحضور اثنين من أفراد الشرطة وهما قادمان من اتجاه أحد الأزقة الجانبية للمنازل البعيدة من شاطئ البحر الرملي.

لم يأبه الجمع في البداية لقدومهما، حيث اعتدنا وجود أفراد الشرطة بالأماكن العامة وخصوصا في زمن "كورونا" ولكن بعد محادثتهما واعتزامهما استدعاء صاحبي إلى مركز الشرطة بسبب تجمع على البحر، أبيت إلا أن أكون معه أرافقه، فما يجري معه يجب أن يطولني منه نصيب، حيث كنت أنا أيضاً قد أجرمت في الجلوس على اليمّ!!

لن أُطيل في تفاصيل الحديث الذي دار قبل حضورنا وبعده ﺇلى مركز الشرطة (مخفر سلوى) لأنه معروف لدى العموم الآن، ولن يغني أو يسمن من جوع، لكن بعد أن أخذ بطاقاتنا المدنية ومع وجود المحامي معنا، لاحظنا ردة الفعل المستحقة من الشارع الكويتي في قضية الرأي العام هذه، والتي شكلت منعطفا ﺇعلاميا في الكويت على مدى أسبوع ونيف، وهي فعلاً تَستحق ذلك رغم أن أحداثها كانت في ليلة استجواب وزير الداخلية في مجلس الأمة الكويتي.

تم احتجازي مع مجموعة البحر نظراً لذائقتنا الأندلسية التي كانت وما زالت متعطشة لسماع الكثير من الأدب والشعر وقصص "ولادة" و"ابن زيدون"، ويبقى السؤال الذي يستحق الإجابة: من يستطيع تحريك قوى الداخلية وبهذه الصورة على مجموعة من العزل في مكان عام لا يقرب من سور أو ارتداد منزل أو ما شابه؟! من استجاب لشكوى زائفة مثل هذه، ولمَ كل هذا الذي حصل؟!

للعلم وفي نهاية المطاف كله، علمنا أن البلاغ الموجه ضدنا يتبلور حول كسر أحد أهم القوانين في الدولة وهو قانون التجمع من غير تصريح، وللعلم، وللمرة المليون، لم نتجمع بل تجمع الناس ولم أجبر أنا أو غيري أحداً على الإتيان للمكان هذا البتة، وللعلم أيضاً كنا ومازلنا نقول بأن البحر للجميع وهو هبة الله للناس أجمع ولا أحد له سلطة عليه، لكن تبقى الدلائل عكس ذلك وعكس القانون، حيث يرى البعض أن البحر الذي يرونه من شرفات منازلهم هو لهم ولهم فقط.

هل نحتاج دليلاً أكبر بأن الصراع في الكويت كان ومازال صراعاً طبقياً بين من يملك ومن لا يملك، بل من يظن بأن البحر له وحده ومن يؤمن بالقانون الذي ينص على أن البحر للجميع.

ختاماً وعلى عكس الانتقادات التي وجهت لي شخصياً حين شكرت رجال الداخلية في تغريدة لي عن الأحداث، أنتهز الفرصة هنا في شكرهم كافة مرة أخرى لأني أعلم أنهم موظفون ينصاعون لأوامر عليا لا أكثر، ويبقى السؤال الحي: من أصدر الأمر في ليلة وقائع لقاء شاطئ أنجفة؟!

ولكل من دعا لنا في ظهر الغيب، ومن استنكر ومن غرد أو ندد، جزيل الشكر والعرفان لكم مني أنا أخوكم، أما أعضاء المجلس الخمسون الذين لم ينبسوا ببنت شفة البتة، أبشركم بأن الشعب يعلم الآن من يحامي لمصالح ومظالم المواطن ومن يتعاطف مع المظلومين ومن هو على اتصال بمشاكل الشارع الكويتي.