بدأ رئيس الحكومة اللبنانية المكلف مصطفى أديب، أمس، مشاوراته مع الكتل البرلمانية لتشكيل حكومة جديدة، غداة إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انتزاعه تعهداً من القوى السياسية بإتمام المهمة خلال مدة قياسية أقصاها أسبوعان.

وخرجت معظم الكتل النيابية من عين التينة (أجريت المشاورات هناك بعد تعذر إجرائها في مجلس النواب بسبب الأضرار التي لحقت بمبنى البرلمان نتيجة انفجار المرفأ) لتؤكد ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة وعدم التدخّل بعملية التشكيل أو فرض شروط التوزير وتقسيم الحقائب.

Ad

ويعتصم أديب بالصمت، وهو الذي أكد قبل ساعات أنه يفضل عدم الكلام والعمل بعيداً عن العدسات والإعلام. ورغم المواقف النيابية الداعمة لأديب، خرج موقف عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب أيوب حميّد، القيادي في حركة أمل الشيعية، الذي أكد في إطلالة متلفزة رداً على سؤال حول التمسّك بالتوقيع الشيعي في وزارة المال، أنّ «هذا أمر مبدئي والرئيس المكلّف ملمّ بالواقع اللبناني»، الأمر الذي طرح فعلياً علامات استفهام حول إدراك الطبقة السياسية لحجم المأزق والعودة إلى سياسة المحاصصة.

ولم يكن منتظراً من الكتل النيابية الكبرى التي سمّت أديب لترؤس الحكومة، غير إعادة التشديد على دعمه في عملية التشكيل. وشدد رئيس كتلة حزب الله (الوفاء للمقاومة) النائب محمد رعد بعد لقاء أديب، أمس، على أنه «نريد حكومة فاعلة ومنتجة ومتماسكة، والإصلاحات تحتاج إلى مكافحة للفساد، وثوابتنا الوطنية والتزامنا بالدستور وبالميثاق الوطني واضح».

الحريري

كما عبّرت النائبة بهية الحريري، باسم كتلة «المستقبل» النيابية، عن «دعم الرئيس المكلف، وتمنينا أن تكون حكومة اختصاصيين وأن تشكل في أسرع وقت، لأن ترف الوقت لا يصب في مصلحتنا»، في وقت دعا النائب جورج عدوان بإسم كتلة «الجمهورية القوية» (القوات)، أمس، إلى تشكيل حكومة مستقلة من أصحاب اختصاص، وأبلغنا أديب أن القوات لن تشارك بالحكومة ولن تقدم أسماء أو تتدخل بالتأليف».

ولفت رئيس تكتل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل، أمس، إلى أنّ «الأولوية للإسراع في تأليف الحكومة ونحن مع الاتفاق الكامل على برنامج عمل الحكومة»، مؤكدا أنّ «لا مطلب ولا شرط لنا في تشكيل الحكومة ومطلبنا الوحيد النجاح باتخاذ القرار وتنفيذه».

ودعا باسيل إلى» المداورة في الوزارات»، غير أن تشكيل صورة كاملة عن المرحلة المقبلة سياسيا في بيروت، لن يكون ممكنا قبل تبيان موقف واشنطن من التسوية التي ترعاها فرنسا.

وأعلن أديب بعد انتهاء الاستشارات تطلعه إلى "تشكيل حكومة اختصاصيين تعالج بسرعة وحرفية الملفات المطروحة، وتكسب ثقة اللبنانيين، والمجتمع العربي والدولي"، مضيفا: "تبيّن بعد الاستشارات أنّ القواسم المشتركة أكثر من الخلافية، وأيّ نقطة خلاف يمكن حلّها بالحوار".

وبحسب مصادر متابعة، فإن زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر لبيروت التي بدأت أمس، ستساعد في تبديد الضبابية التي تسود الموقف الأميركي. ولم يحسم شينكر في تصريحاته خلال الساعات الماضية دعم الولايات المتحدة للجهود الفرنسية إلا أنه أقر بأن «واشنطن تعمل على فرض عقوبات على الشخصيات اللبنانية المتعاونة مع حزب الله».

وكشف شينكر انه لن يلتقى أي شخصية سياسية خلال زيارته، مشيرا إلى أنه سيجتمع بعدد من ممثلي المجتمع المدني وبعض النواب الدين استقالوا من البرلمان الشهر الماضي.

بومبيو

وفي واشنطن، أكد ‫وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في مؤتمر صحافي، أمس، أن "واشنطن تعمل مع الفرنسيين ولدينا نفس الأهداف"، مشيرا الى أن "الأمور ليست على طبيعتها في لبنان، ولن تكون كما في السابق".‬

‫وشدد بومبيو على "أننا سنسخر جهودنا الدبلوماسية كافة لتحقيق ما يتطلع إليه الشعب اللبناني، ولتكون هناك حكومة تقوم بإصلاحات معتبرة وتحدث تغييرات كما يطالب الشعب"، معتبرا أن "نزع سلاح حزب الله أكبر التحديات".

وأكد أن "الصواريخ التي يخزنها حزب الله في جنوب لبنان تمثل خطرا"، لافتا إلى أن "الجميع ملتزم بنزع السلاح في لبنان إلا حزب الله".

وكان ماكرون غادر مساء أمس الأول بيروت متوجهاً إلى بغداد بعد التوافق مع القوى السياسية على خريطة طريق تتضمن تشكيل حكومة بمهمة محددة مؤلفة من «شخصيات كفوءة» تلقى دعماً سياسياً وتنكب على إجراء اصلاحات عاجلة مقابل حصولها على دعم دولي.

وقال ماكرون في «تغريدة» قبيل مغادرته، متوجهاً الى اللبنانيين: «في لحظة مغادرتي بيروت، أود القول مجدداً وبقناعة: لن أتخلى عنكم».

دعوات إلي باريس

وعادة ما يستغرق تشكيل الحكومة أسابيع أو حتى أشهر، إلا أن الضغط الفرنسي بدا واضحاً خصوصاً مع تعهد ماكرون بالعودة الى بيروت في نهاية العام ودعوته الأطراف السياسية الى اجتماع في باريس الشهر المقبل يعقد بموازاة مؤتمر دعم دولي جديد.

ووجه الرئيس الفرنسي دعوات إلى الرؤساء الثلاثة للمجيء الى باريس لتقييم ما تم تحقيقه من خريطة طريق جرى الاتفاق عليها. واعتبرت صحيفة «الأخبار» (المقربة من «حزب الله») أن ماكرون تصرف «كما لو أنه مرشد الجمهورية اللبنانية في مئويتها. تحدث كمن يعطي الإنذار الأخير. إما أن تنفذ الحكومة المقبلة خريطة طريق وضعتها فرنسا من ألفها إلى يائها وإما لا مساعدات والانهيار آتٍ مع العقوبات». وقال أستاذ العلوم السياسية في بيروت وباريس كريم بيطار لوكالة «فرانس برس»، أمس، إن «الجميع في لبنان لم يعد لديهم ترف الوقت وهم على بيّنة من أنهم سيكونون عرضة لضغط متزايد من فرنسا ومن المانحين والمجتمع الدولي». وأعرب عن اعتقاده أنّ «الضغط الفرنسي قد يؤدي إلى إحداث شكل من التغيير على المدى القصير في أداء المسؤولين الذين قد يحاولون الإيحاء بأنهم قاموا بالجزء المتّرتب عليهم من الاتفاق لناحية اجراء إصلاحات تجميلية». إلا أنه يبدي شكوكاً إزاء «موافقتهم على اجراء اصلاحات هيكلية ومنهجية يحتاجها لبنان بشدّة لأنها قد تعني نهايتهم». وفي موقف لافت، حذّر البابا فرنسيس، أمس، من أن لبنان يواجه «خطراً شديداً ولا ينبغي التخلي عنه».

هنية في لبنان

في سياق منفصل، التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، أمس، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية والوفد المرافق بحضور المعاون السياسي لرئيس المجلس النائب علي حسن خليل.