السيد الفاضل عبداللطيف يوسف الحمد أحد الشخصيات الكويتية البارزة التي تعمل بصمت وإخلاص لوطنها، بعيداً عن الأضواء، ويستحق أن يكتب عنه وأن نشيد بدوره الكبير. لم أعرف هذا الإنسان عن قرب سابقا، لكن كنت أسمع عنه وعن تفانيه في العمل والإخلاص والأمانة التي يتحلى بها هذا الرجل.

لقد تبوأ الأخ الفاضل أبو أحمد عدة مناصب في الكويت، وكذلك عضويته في كثير من المؤسسات الاقتصادية في العالم، وكذلك المؤسسات العلمية، في عمله الأول كمدير عام للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، قام ومساعديه بجهد كبير لتحقيق المشاريع التي تحتاجها الدول سواء كانت في الدول العربية أو الآسيوية أو الإفريقية أو في دول أخرى، كان الصندوق الكويتي يعتبر الذراع الأيمن لسياسة الكويت الخارجية.

Ad

كان السيد عبداللطيف الحمد يدير ملايين الدنانير التي حافظ عليها بكل أمانة وإخلاص في طريقة صرفها، كانت ذمته المالية ومازالت نقية وصافية لا تشوبها أي شائبة، وحسن الإدارة التي كان يتميز بها أبو أحمد دليل على نجاح الكويت في سياستها الاقتصادية التنموية في الخارج، وانتقل بعدها السيد الفاضل عبداللطيف الحمد إلى وزارة المالية كوزير، وصادف تعيينة حدوث أكبر كارثة اقتصادية تمثلت بأزمة المناخ التي أساءت للاقتصاد الكويتي، فقاد فريقا للتعامل مع هذه الأزمة وقدم الحلول ووضع الأسس لحل هذه المشكلة الاقتصادية التي عصفت بالاقتصاد الكويتي، ولكن للأسف لم تطبق هذه الحلول التي وضعها.

بعد ذلك العمل المخلص ونظرا لخبرته الطويلة داخل الكويت وخارجها وشخصيته الاقتصادية وإخلاصه، تولى منصب المدير العام للصندوق العربي للإنماء، وأداره باقتدار ونزاهة وأمانة كما فعل في المناصب السابقة التي تولاها، وكانت له شهرة عالمية، وأصبح السيد عبداللطيف الحمد عضوا في الكثير من مراكز البحوث والمؤسسات ذات الطابع الاقتصادي والمالي في العالم.

لقد عرفت هذا الإنسان عن قرب في السنوات القليلة الماضية في المناسبات الاجتماعية، والتقيت به منذ بضعة أشهر في مكتبه، وكنت وقتها أجمع المعلومات وأقوم بمقابلات لأضمنها كتابي الجديد حول نشأة وزارة الخارجية الكويتية، وكنت أظن أنه من أوائل العاملين بوزارة الخارجية عند إنشائها بعد الاستقلال.

فلما أخبرني بأنه لم يعمل بوزارة الخارجية لكنه روى لي قصته مع الخارجية، ورغم أنه لم يكن يعمل فيها، يقول "بو أحمد" حفظه الله: إنه عندما أعلن استقلال الكويت في عام ١٩٦١ كانت الكويت قد تقدمت بطلب الانضمام لعضوية الأمم المتحدة، فأرسلت الكويت وفدا ترأسه السيد عبدالعزيز حسين، ونظراً لاستخدام الاتحاد السوفياتي حق النقض (الفيتو) فلم يقبل طلب الكويت نظرا للحرب الباردة بين القطبين الغربي والشيوعي.

عاودت الكويت الكرّة مرة أخرى بعد تغير الظروف السياسية فأرسلت الكويت وفداً ثانياً يرأسه عبدالرحمن العتيقي، وعندما التقى عبداللطيف الحمد بعبدالرحمن العتيقي الذي طلب منه الانضمام للوفد هو وزميله نوري شعيب الذي انضم لاحقا لوزاة الخارجية، لأن الاثنين يدرسان في الولايات المتحدة ويجيدان اللغة الإنكليزية، وكان السيد عبداللطيف الحمد قدم طلب لدراسة الماجستير في جامعة هارفارد السنة الأولى، فإخلاصه لوطنه جعله يؤجل الدراسة لمدة عام ليتفرغ للعمل من أجل انضمام الكويت للأمم المتحدة.

ويضيف عبداللطيف الحمد أنه وزميله كانا يستخدمان سكن الطلبة الكويتيين في نيويورك لطباعة الرسائل والدعوات لمندوبي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لحثها على دعم موقف الكويت لتصبح عضوا في المنظمة الدولية، ولما كان العمل يتطلب اللقاءات مع الوفود يوميا فكان العمل داخل أروقة الأمم المتحدة أسهل لهم، فطلبوا استخدام إحدى الغرف في إحدى الإدارات، فعارض المسؤول عن هذه الإدارة وهو من الجنسية العراقية بحجة أن الغرف تستعمل من قبل الدول الأعضاء والكويت ليست عضواً، ولما اشتكى الوفد الكويتي عند مكتب الأمين العام للأمم المتحدة، وكان وقتها الأمين العام هو "أوثانت" من بورما طلب من المسؤول العراقي السماح للوفد الكويتي باستخدام الغرفة المطلوبة فأذعن المسؤول لتنفيذ الأمر.

وواصل أعضاء الوفد الكويتي بمن فيهم عبداللطيف الحمد العمل على التواصل مع الوفود الأعضاء وإرسال الدعوات لهم للقاء بالوفد الكويتي، وكذلك اتصالهم بأجهزة الإعلام الأميركية والعالمية، وكانوا يعملون بجد وجهد كبير حتى تحقق للكويت مطلبها في الانضمام للأمم المتحدة لتصبح العضو رقم ١١١.

دار حديثي الشيق مع "بوأحمد" في مكتبه العلوي في مبنى الصندوق العربي للإنماء، الذي ما إن تدخل المبنى حتى تحس بأنك داخل قصر أو متحف من المتاحف الراقية في الدول المتقدمة، وذلك لهندسة المبنى وجمال التصميم الداخلي والديكورات والأثاث الجميل والقاعات الكبيرة المزودة بالتكنولوجيا التي تستخدمها بعض المؤسسات لعقد المؤتمرات، وتجد لمسات السيد عبداللطيف الحمد في كل قطعة جميلة شارك في اختيارها إلى جانب النظام والهدوء في هذا المبنى الجميل الذي يترأسه هذا الرجل الفاضل الذي يعمل بصمت دون بهرجة إعلامية أو ضوضاء، ويضم المبنى أيضا بعض المنظمات الإقليمية والدولية.

وقد يستغرب القارئ بعد هذه المقدمة وسبب حديثي عن أحد رجالات الكويت المخلصين، فيكون الجواب بأنني لا أستطيع أن أفي هذا الرجل حقه من التقدير والاحترام، حيث إنه سيترك منصبه الحالي كمدير عام للصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي قريبا، فإن تكريمه على مستوى كبير داخل الكويت أقل ما يستحقه هذا الرجل الأمين المخلص الذي خدم بلاده في عدة مواقع، وكان جديراً بالاهتمام.

أتمنى للفاضل عبداللطيف يوسف الحمد الصحة والعافية وطول العمر، تستاهل يا "بوأحمد" كل التكريم لأنك عملة نادرة من الرجال في هذا الزمن.