عاش الإنسان منذ الأزل على هذا الكوكب الأزرق، وهو في تناغم وتجانس- ﺇلى حد ما- مع البيئة المحيطة به، فالإنسان وﺇلى فترات قريبة جداً من عمر البشرية كان جزءا أساسيا- ولو دخيلا- من المنظومة الإيكولوجية بشكل عام، ويترأس سلسلة الغذاء من دون أدنى شك دون إحداث مشاكل جمة تخل بالنظام البيئي.

لا يوجد في الطبيعة أبداً شيء اسمه "مُخلفات" فكل مادة أو "مُخَلف" تعتبر لقيما حيا لعملية طبيعية بيئية تليها تباعاً ولا تقل عنها أهمية، لذلك، أي تدخل آدمي على أي نظام بيئي مُتزن يُعتبر ﺇخلالاً في اتزانها مهما كان ضئيلاً أو بسيطا، فالتدخل الآدمي الصريح والضار أتى على شكل عمران وصناعات ثقيلة وملوثات في البيئة الحضرية، وكذلك تراكم وتكدس لنفايات بأشكالها كافة. هذا كله أتى بشكل صريح ومضر للبيئة من بعد ثورة صناعية أتت على "الأزرق" منذ قرابة المئة عام ونيف وليس منذ ظهور البشرية على الأرض.

Ad

فلو شبهنا عمر الكرة الأرضية بساعة الحائط التي تدق على مدار 24 ساعة، في كلٍ منها ستون دقيقة، لكان بدء تكوين الأرض هو ميقات (صفر ساعة، صفر دقيقة)، والساعة الرابعة فجراً هي نقطة ظُهور الحياة على الأرض (4 ساعات، صفر دقيقة)، أما الإنسان فظَهر مؤخراً في الساعة الحادية عشرة وثمان وخمسين دقيقة قبل منتصف الليل (11 ساعة، 58 دقيقة)!! ومع ظهوره ظهرت لنا الأمراض والأوبئة التي سُجِلت عبر الزمان وبالتوثيق التاريخي، ﺇلى أن نصل إلى شهر ديسمبر من عام 2019، حينها ظهر كورونا من مدينة "ووهان" الصينية وفي وقت كانت البيئة تلفظ أنفاسها (لعلها ليست الأخيرة) وفي حال صعيبة جداً.

سجلت أشهر كورونا الماضية حالة تعافٍ على البيئة بشكل عام، ففترات الحظر الجزئي أو الكلي على عدد من المدن والعواصم حول العالم، كان لها تأثيرٌ كبيرٌ في الحد من انبعاثات عدد كبير من الغازات الدفيئة، والتي كانت تسبب احتباسا حراريا على غلاف الكوكب الجوي مع مرور الزمن، ناهيك طبعاً عن اضمحلال حركة سير المركبات في الشوارع والخطوط السريعة حول العالم وﺇغلاق عدد من المصانع وخطوط الإنتاج، والتي من شأنها تقليل الملوثات البيئة والانبعاثات الضارة كذلك، فبمقارنة ﺇحصائيات شهر مارس 2020 بتلك التي سبقتها بعام واحد فقط في 2019، نجد أن مؤشر تلوث مدينة نيويورك الأميركية قد انخفض بمعدل 50% مقارنة بذاك الذي سبقه بعام واحد فقط، وﺇن كانت الصين من الدول الصناعية الكبيرة والمتهمة بالتلوث دائماً، فقد انخفضت انبعاثاتها الضارة بمعدل 25% بسبب البقاء في المنازل وحظر التجول مما انعكس أيضاً على الإحصائيات البيئية لشهر مارس 2020.

أما فيما يخص ﺇحصائيات شهر أبريل 2020 ومعدلات التلوث، فنجد أن الدراسات في دوريات محكمة كـ"Nature" (الطبيعة) مثلاً وغيرها تشير ﺇلى انخفاض حاد في انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 10 إلى 30% وذلك استدراكاً لنسبة تتبع حركة الناس عن طريق استخدام محرك البحث Google "غوغل"، فقد أتت تلك المؤشرات عن طريق متابعة انبعاث مجموعة من الغازات أهمها غاز ثاني أكسيد الكربون، ولكن وبغض النظر عن هذا كله، ولو تم حساب انخفاض جميع المؤشرات البيئية والتي تدلل على انخفاض ملموس في غضون هذه السنة، فكيف لتلك الأرقام أن تترجم ﺇلى واقع ملموس على الكوكب؟ وهل نستطيع القول إن كورونا ساهم في تعافي البيئة والطبيعة على الكوكب الأزرق بشكل ملموس؟

الإجابة هنا وببساطة: لا، فإن كل تلك الدراسات وحين ترجمتها إلى وقائع، ولو احتسبنا انخفاض معدلات الانبعاثات لأبريل الماضي مثلاً، لوجدنا أنها تترجم إلى انخفاض في متوسط درجة حرارة الكوكب بـ0.01 درجة مئوية فقط لا غير!! وهذا الرقم الضئيل جداً لن يلامس واقع الهدف المرجو في خفض معدلات الحرارة على كوكب الأرض بـ1.5 درجة مئوية، وهو طموح العلماء والباحثين المؤمنين بظاهرة الاحتباس الحراري.

ببساطة شديدة يكمن الحل الآن في الاستفادة من كورونا والنظر ﺇلى تلك الأرواح التي زُهقت من جراء تلك الحرب الفيروسية على أنها أرواح شهداء حرب ما بين الإنسان وفيروس مستجد على هذا الكوكب، والاستفادة القصوى (بل التعافي) وأخذ العبرة من تلك الإحصائيات لتقليل الانبعاثات الناجمة عن التقنيات والمركبات والصناعات الثقيلة.

فأولاً، يجب وضع الاعتبار بأن كل تلك الانخفاضات الناجمة من كورونا لم تكن كافية لتعافي البيئة. أما ثانياً، وهو الأهم، فيجب استخدام دراسات الحالة "العلمية" التي نجمت عن فترات أشهر كورونا في الاستفادة من وضع خطة على مستوى المعمورة لتخفيض معدلات التلوث على البيئة والالتزام بها! وﺇلا، علينا ببساطة الاستثمار في برنامج استكشاف فضائي لنقل الكوكب وما عليه إلى كوكب آخر وبعد مدة زمنية بسيطة جداً.