هذا كان عنوان أحدث كتاب أصدره مركز البحوث والدراسات الكويتية للأستاذ الدكتور عبدالله يوسف الغنيم. الكتاب يلقي الضوء على فترة مهمة من تاريخ الكويت، ويُبين أيضا ما قام به الشيخ عبدالله السالم الصباح أمير الكويت، رحمه الله، في فترة الخمسينيات، أي قبل الاستقلال عام ١٩٦١.

يحتوي الكتاب على عدد من التقارير ومحاضر اجتماعات ضمت الشيخ عبدالله السالم وممثلي الحكومة البريطانية من مقيم سياسي في الخليج، وكذلك المعتمد البريطاني في الكويت، واشتملت هذه المحاضر والوثائق على رسائل متبادلة بين الكويت وبريطانيا.

Ad

يشير الدكتور عبدالله الغنيم إلى أن هذه المحاضر والوثائق قد نشرت ضمن وثائق الأرشيف البريطاني، إضافة إلى محاضر سكرتارية حكومة الكويت (كانت بمثابة وزارة الخارجية)، وتبين الوثائق حرص الشيخ عبدالله السالم على المحافظة على مصالح الكويت، كما أنه أثبت أنه كان محاورا ومفاوضا ذكيا، استطاع أن يقنع الجانب البريطاني بوجهة نظره، وأحيانا كان يهدد كي يضمن استقلال الكويت ومصلحة شعبه.

يحوي الكتاب أربعة مواضيع تهم الكويت وسياستها الخارجية واستقلالها وهي: الكويت والاتحاد الهاشمي (العربي)، الكويت وجامعة الدول العربية، الكويت وعلاقاتها الخارجية، استقلالية القضاء الكويتي.

كانت فترة الخمسينيات حبلى بالأحداث والاضطرابات وظهور المد القومي العربي، وظهور التنافس بين القوى السياسية العربية للزعامة واشتعال الحروب والانقلابات في الوطن العربي، وكان الشيخ عبدالله السالم يتجنب الانحياز لطرف ضد آخر، وكان رحمه الله كمن يسير وسط حقل ألغام قابلة للانفجار، واتبع ذلك في مفاوضاته الصعبة مع بريطانيا.

كانت حكمة الشيخ عبدالله السالم ودبلوماسية المفاوضات التي اتبعها مع المسؤولين البريطانيين مفيدة للكويت، ففي الوقت الذي كانت علاقة الكويت ببريطانيا جيدة استنادا إلى معاهدة الحماية الموقعة عام ١٨٩٩ في عهد الشيخ مبارك الصباح، رحمه الله، كان الشيخ عبدالله السالم أيضا ينظر إلى مصلحة الكويت وتوقها لنيل الاستقلال تدريجيا والاحتفاظ بعلاقة جيدة مع الدول العربية.

وفي موضوع الاتحاد العربي الهاشمي الذي كان يضم كلا من النظام الملكي في العراق والنظام الملكي في الأردن، مورست ضغوط على الكويت للانضمام لهذا الكيان السياسي الذي نشب عداء بينه وبين الرئيس جمال عبدالناصر الذي يمثل المد القومي العربي آنذاك، وكانت الخلافات والصراعات على الزعامة العربية على أشدها، خصوصا عندما تمت الوحدة بين مصر وسورية عام١٩٥٩.

كانت الكويت تقاوم ضغوط الانضمام للاتحاد الهاشمي الذي كان هدفه الأساسي الاستفادة من ثروة الكويت الجديدة ألا وهي النفط، وقد حافظ الشيخ عبدالله السالم على استقلالية الكويت والحفاظ على سيادتها ومصالحها، وكان يقوم بدور الإطفائي عندما ينشب حريق بسبب الخلافات العربية خصوصا بين الكيانين المتضادين.

كان يريد التوسط لحل الخلافات بين القاهرة وبغداد، لكن الأحداث المتسارعة والحرب الإعلامية الساخنة بين الأطراف المتنازعة كانت عائقا لتحقيق السلام، ونجد في المحاضر والوثائق التي ذكرها الدكتور عبدالله الغنيم كيف كان الشيخ عبدالله السالم يقاوم الضغوط البريطانية عليه للانضمام للاتحاد الهاشمي، فكان موقفه حازما برفضه الانضمام لأنه لا يحقق مصلحة للكويت.

وتبين محاضر الاجتماعات أن موقف الشيخ عبدالله الصلب عندما علم أن نوري السعيد رئيس وزراء العراق في العهد الملكي المعروف بمكره ودهائه المشهور كان يخطط للاستيلاء على الكويت عندما تنضم للاتحاد الهاشمي (العربي)، وبعد الانقلاب الذي قام به عبدالكريم قاسم والذي أنهى به النظام الملكي في العراق عام ١٩٥٨ اتضح في هذه الأحداث بُعد نظر الشيخ عبدالله السالم في معارضته الانضمام إلى الاتحاد العربي الهاشمي لأنه لو وافق على الانضمام فإن النظام الجمهوري الجديد سيمنع استقلال الكويت أو المحافظة على استقلالها وسيادتها، وسيعتبرها جزءا من العراق، وهذا ما ادعاه كذبا بتبعية الكويت للعراق بعد استقلالها.

حقاً كان الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، قائدا حكيما لديه بُعد نظر، استطاع المحافظة على استقلال الكويت وسيادة أراضيها.

يتبع،،،

***

يدور حديث حول التطبيع مع الكيان الصهيوني، فتذكرت مقولة المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح، طيب الله ثراه، عندما اجتمع بعد التحرير قادة العالم ليشكرهم على موقفهم الداعم للكويت في قضية الاحتلال، وفي لقائه مع الرئيس الأميركي جورج بوش الأب، قال بوش للأمير الراحل: الآن تحررت الكويت فلماذا لا تقيمون علاقات مع إسرائيل؟ فأجابه رحمه الله: إن الكويت ستكون آخر دولة عربية تطبع العلاقات معها، فهذا موقف الكويت الثابت منذ حكم المغفور له الشيخ عبدالله السالم: "لا للتطبيع".