هنري داودينغ، في تقريره الاستخباراتي المطبوع عام 1903، لم ينسَ أن يزور قرية الجهراء ليتعرف عليها جيداً من جميع النواحي، ويكتب عنها بالتفصيل من زوايا معينة تهمه وتهم الحكومة البريطانية، التي طلبت منه أن يقوم بذلك.

ورغم أن داودينغ لم يهتم بالحديث عن التاريخ القديم للجهراء، فإنه وثق في تقريره بعض المعلومات التي تهمنا كباحثين في التاريخ. يقول داودينغ إن "الجهراء قرية تبعد حوالي 15 ميلاً غرباً من مدينة الكويت، وتشكل النهاية الغربية للخليج، وهي تبعد عن مياه البحر إلى الداخل بحوالي 1200 ياردة. إنها قرية مبنية بشكل قوي من الطابوق الأحمر المجفف ومحيطها يصل إلى حوالي ميل ونصف".

Ad

ويضيف داودينغ أن القرية تتمتع بوجود مساحات زراعية خلف الأسوار، وفيها تزرع أنواع مختلفة من المحاصيل الضرورية والأشجار، مثل القمح والنخيل والبرسيم وأشجار الأثل وغيرها، موضحاً أن هذه المزروعات محاطة بأسوار من الطين، بناها الأهالي سماكتها بين 2 و3 أقدام، وارتفاعها بين 8 و10 أقدام. أما عن الماء فقد أوضح داودينغ أن المياه متوفرة داخل هذه المزارع، ولكنها صالحة للري فقط. كما أفاد أيضاً بأن عدد سكان القرية يحتمل أن يكون بين 200 و300 شخص. ومن الأمور الأخرى التي أشار إليها تقرير الضابط البريطاني هو وجود قلعة قديمة مهملة وقلعة جديدة، "توجد هناك قلعة قديمة (في حالة مندثرة) في الناحية الغربية من القرية، كما توجد قلعة جديدة بناها الشيخ الحالي وتقع ناحية الجنوب الغربي من القرية".

وقد ذكر داودينغ في الهامش السفلي لنفس الصفحة أن القلعة القديمة تعتبر موقعاً تراثياً، وأنه ما زال يعثر حولها على بقايا من الآثار القديمة. وهنا أتوقف قليلاً عند هذه المعلومة لأشير إلى ما ذكره حاجي أحمد، وهو الكاتب في المعتمدية البريطانية في بوشهر، عندما مر على الجهراء مع المقيم البريطاني لويس بيلي عام 1863م، وشاهدا قلعة كبيرة في الجهراء وصفها حاجي أحمد في يومياته فقال عنها إنها مربعة الشكل ولها أربعة أبراج في زواياها، وإنها ملك التاجر الكويتي يوسف البدر. وأعتقد أن ما وصفها داودينغ بأنها قلعة قديمة هي نفس التي وصفها حاجي أحمد قبل حوالي أربعين عاماً، أي في عام 1863م (وليس في رحلة لويس بيلي الشهيرة عام 1965)، إذ لا يوجد سواها في تلك الفترة طبقاً للمعلومات المتوفرة. ورحلة حاجي أحمد نشرت تفاصيلها في عدد من المقالات بـ "الجريدة" عام 2014، ولم يكن أحد قد تناول تفاصيلها من قبل، وهي تحكي التفاصيل التي مر بها المقيم البريطاني ورفاقه من حين انتقالهم بالسفينة من بوشهر إلى نزولهم في العشار وانتقالهم براً إلى الكويت مروراً بالجهراء. في المقال المقبل نكمل حديثنا حول ما قاله النقيب هنري داودينغ في تقريره عام 1903 عن قرية الجهراء الكويتية.