لا صوت يعلو هذه الأيام على صوت قضايا تضخم الحسابات المشتبه في استغلالها لغسيل الأموال القذرة، وصار مَن يطلق عليهن "الفاشينستات" مالئات الدنيا وشاغلات الناس بقصص ثرائهن السريع وبذخهن الفاقع للعيان والمستفز أحياناً، ولا أعرف ما هو جمع مذكر هذه المهنة التي يمكن غالباً وبسهولة تفسير سلوك المنتمين لها بحداثة النعمة، مع عدم إنكارنا في ذات الوقت لأفضلية أن تكون محدث نعمة على أن تكون معتاداً على الفقر والقناعة الزائفة.

ما يجري لا يخلو من مكارثية اجتماعية انطلقت من عقالها بعد فترة خمود وترقب ومحاولة استيعاب لما كان يجري بشكل سريع في مجتمع اعتاد البطء والتغييرات غير الملحوظة عند حدوثها، فتواطأ الحسد العام مع أهداف أصحاب المصالح، سواء من وسائل إعلام قديمة أو التجار التقليديين، ممن أضرت بهم موجة الأعمال الحديثة، وما رافقها من ثراء سريع، والتي قطعت بدورها الناس عن صحفهم وأسواقهم، وذلك بالتزامن مع عدم مواكبة واستيعاب من بعض موظفي الجهات الرسمية لحجم النمو والأرباح في التجارة الإلكترونية الجديدة، خصوصاً في مجتمعنا المعتاد على نسب الأرباح التقليدية المريحة للتجار التقليديين والفقراء التاريخيين الذين يزعجهم خروج الأعضاء من ناديهم الشعبي، بقدر ما يزعج الفريق الآخر انضمامهم إلى نادي النخبة الحصري.

Ad

بالتأكيد هناك غسيل أموال ولابد من ردعه وبقوة، ولكن ليس بالضرورة أن يكون كل تضخم في الأرصدة نتيجة لعمليات غير مشروعة، دعه يعمل دعه يمر وبلاش التفعيل المستمر للعقد النفسية مع كل جديد وناجح، ومطلوب منا في المقابل أن نراقب كذلك سلوكنا وسلوك أبنائنا الإنفاقي، فالدولة مثلاً تدفع قرابة الـ٥٠ مليون دينار شهرياً لطلبة الجامعات والمعاهد في الكويت، ولا أحد يتساءل عن أوجه صرفها والفائدة العامة منها، ناهيك عن سلوك الوالدين الذين ليس دائماً بأفضل من أبنائهم، و"الفاشينستات" وأمثالهم من تجار وشركات ومروجي الكماليات الفاخرة هم نتاج لنهمنا الاستهلاكي، وإسراف الأجيال الصاعدة المهتمة بهم، وكعادتنا تركنا السبب و"طلعنا حرتنا" بالنتيجة، نحن الذين صنعنا أصنامنا "التافهة" واليوم نريد أكلها.