في الصباح الباكر من يوم 27 يوليو الماضي، بدأت القوة البحرية لـ"الحرس الثوري" الإيراني و"القوة الجوية الفضائية" مناورات "الرسول الأعظم" البحرية الرابعة عشرة "الرسول الأعظم 14" بإطلاق صواريخ بالستية ومضادة للسفن وشنّ هجوم احتشادي ضد مجسّم "نموذج بالحجم الطبيعي" لحاملة طائرات أميركية.

وتم إطلاق بعض الصواريخ البالستية على مياه الخليج العربي في الاتجاه العام لقاعدتين جويتين إقليميتين يتمتع فيهما التحالف الدولي بوجود عسكري كبير، وهما: قاعدة "العُديد" في قطر وقاعدة "الظفرة" في الإمارات العربية المتحدة.

Ad

وأدى اكتشاف الولايات المتحدة المبكر لعمليات إطلاق الصواريخ المتعمدة على ما يبدو إلى إرسال عناصر التحالف إلى الملاجئ، مما يسلّط الضوء على العقلية الاستراتيجية المتحدّية والمحفوفة بالمخاطر التي اتّصفت بها هذه التمارين بالإجمال.

حسابات الموقع والتوقيت

وفقاً لبيان صادر عن "بحرية الحرس الثوري الإيراني" وأدلة أخرى، اقتصرت المناورات على الخليج العربي والجانب الغربي من مضيق هرمز، متجنّبة المنطقة الخاضعة لـ "القوة البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية".

وربما تم ذلك جزئياً لتقليل احتمالات وقوع حوادث بالنيران الصديقة بعد المناورات القاتلة التي أجرتها "القوة البحرية للجمهورية الإسلامية الإيرانية" في 10 مايو عندما ضربت فرقاطة سفينة الدعم "كونارك" بصاروخٍ عن طريق الخطأ في خليج عمان.

لكن بخلاف التقارير الأولية، لا يوجد ما يشير إلى أن "القوة البحرية

لـ"الحرس الثوري" الإيراني أعطت البحّارة إشعاراً سابقاً بإقامة تدريبات وشيكة بالذخيرة الحية داخل ممرات الشحن المزدحمة للغاية في مضيق هرمز والخليج العربي.

وفي الواقع، إن إعطاء القليل من التحذير أو عدم توجيهه هو الممارسة المعتادة لإيران في مثل هذه المناورات، وذلك على ما يبدو من أجل تعزيز تأثيرها المثير وتقويض سلامة الملاحة في المنطقة بصورة متعمّدة.

في الفترة التي سبقت مناورات "الرسول الأعظم 14"، لم يُنشر أي إشعارٍ على الموقع الإلكتروني لـ "منظمة الموانئ والملاحة البحرية الإيرانية"، أو قاعدة بيانات "وكالة المخابرات الجغرافية الوطنية الأميركية"، أو "قطاع الملاحة البحرية التاسع" "NAVAREA IX"، أو شركة "خدمات المساعدات الملاحية في الشرق الأوسط"، أو قائمة "الإدارة البحرية الأميركية"، والتي عادةً ما تحذّر البحّارة من زيادة النشاط البحري الإيراني في المنطقة.

وتشير تقارير مختلفة إلى أنه لم يتم تعجيل مناورات "الرسول الأعظم 14" أو تأخيرها، ولكن بكافة الأحوال تم إطلاقها بدون دعاية مسبقة تقريباً. ولا يقتصر توقيت هذه المناورات السنوية على أي موسم أو جدول زمني معين - بل يعتمد أكثر على العوامل السياسية والاستراتيجية.

وفي هذه الحالة، كان قرار تنفيذ مناورات "الرسول الأعظم 14" وإعادة استخدام مجسّم قديم لحاملة طائرات أميركية والذي تم إصلاحه مرتبطاً على الأرجح بوصول المجموعة الضاربة من حاملات الطائرات الأميركية "نيميتز" إلى شمال بحر العرب في 24 يوليو.

"وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن "نيميتز" أبحرت لتعفي حاملة الطائرات "يو إس إس دوايت د. آيزنهاور" من مهمتها التي دامت سبعة أشهر؛ وقد عادت الآن هذه الحاملة والسفن المرافقة لها إلى الولايات المتحدة".

وفي 26 يوليو، لاحظت وسائل الإعلام العالمية أن القوات الإيرانية تقوم بنقل مجسّم حاملة الطائرات - وهو عبارة عن نموذج مصغر بقياس 60 في المئة من سفينة "نيمتز" نفسها - من مرساه قَبالة بندر عباس إلى المياه الواقعة جنوب شرق جزيرة هرمز.

وتكهّنت التقارير بأن هذه الخطوة قد نُفّذت تحسباً لتمارين جديدة بالذخيرة الحية. وكان قد "طُلب صنع" هذا المجسّم في الأصل في عام 2015 من أجل استهدافه بالصواريخ والطوربيدات خلال مناورات "الرسول الأعظم 9" في فبراير من ذاك العام، ولكنه أبى أن يغرق فتمّ إصلاحه بعد أربعة أعوام، وفي الوقت المناسب تماماً لاحتدام التوترات طوال عام 2020.

اختبار أو استعراض

بمجرد سحب المجسّم لمسافة خمسين كيلومتراً وصولاً إلى موقعه شمال ممرات الشحن في مضيق هرمز، تمّ استهدافه بصاروخ "نصر" مضاد للسفن أُطلق من طائرة هليكوبتر معدّلة من طراز "بيل جيت رينجر". وتشير صعوبات تحميل صاروخ "نصر" وعدم ملاءمة طوافة "جيت رينجر" - المصنّفة ضمن فئة الطوافات المدنية - للعمليات المتطلبة المضادة للسفن، إلى أن هذا الجزء من المناورات كان إما برنامج اختبار أو مجرد استعراض.

وعلى أي حال، أظهر مقطع فيديو مصوّر من طائرة بدون طيار أن الصاروخ تسبّب بأضرار محدودة عندما اصطدم ببدن السفينة فوق خط الماء بالقرب من البنية الفوقية.

بالإضافة إلى ذلك، أسقطت طائراتٌ بدون طيار ثلاث قنابل صغيرة القطر على سطح حاملة الطائرات مما أدى إلى تدمير ثلاثة مجسّمات لطائرات مقاتلة من طراز "أف-إي-18"، بينما أطلقت زوارق صاروخية ومدفعيات ساحلية بضعة صواريخ إضافية مضادة للسفن قصيرة المدى على السفينة "حاملة الطائرات".

وفي النهاية، بدا المجسّم وكأنه يستسلم متأثراً بإصاباته؛ وجرى تصويره لاحقاً وهو يميل إلى جانبه الأيسر ويغرق في مكان ليس بعيداً عن مدخل ميناء بندر عباس، ربما بعد محاولة ليلية فاشلة لجرّه إلى الشاطئ. وبالنظر إلى عمق قاع البحر البالغ خمسة وعشرين متراً في ذلك المكان، وعُرْضْ عارضة مجسّم السفينة أربعين متراً، بقي جزءٌ من الحطام ناتئاً من الماء وسيشكل خطراً ملاحياً خطيراً ما لم يتم اتخاذ مزيد من الإجراءات لإنقاذه.

تم تصميم مناورات "الرسول الأعظم 14" بالدرجة الكبرى لإبهار أعداء إيران في المنطقة والخارج، وفي الوقت نفسه لتعزيز قوة الردع الإيرانية التي يَعتبر النظام على ما يبدو أنها لا تزال متضررة بعد مقتل قائد "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني قاسم سليماني في يناير والموجة الأخيرة من الانفجارات الغامضة في مصنع تجميع أجهزة الطرد المركزي في نطنز ومواقع إيرانية أخرى. وعلى الرغم من هدفها الرمزي/الاستراتيجي، فإن المناورات حملت أيضاً بعض التأثيرات التكتيكية الجديرة بالملاحظة.

أولاً، ادّعت إيران أنه تم استخدام نسخة مضادة للإشعاعات من الصاروخ أرض-أرض "فاتح"، وتدعى "هرمز"، من أجل استهداف نسخة مطابقة من الرادار "تي بي واي -2" الأميركي المتطور البعيد المدى والمرتبط بمنظومة "الدفاع في المناطق ذات الارتفاعات العالية الطرفية" "ثاد" والمنتشرة حالياً في عدة مواقع في منطقة الخليج.

وبثّت وسائل الإعلام التابعة للدولة مقطع فيديو لإثبات ذلك، على الرغم من أن اللقطات لا تُظهر بشكل قاطع ما إذا كان الهدف هو جهاز محاكاة صالح لمنظومة "ثاد" تم تدميره بواسطة صاروخ حقيقي موجّه مضاد للإشعاعات.

ثانياً، أظهرت مقاطع الفيديو والصور الفوتوغرافية التي نُشرت خلال مناورات "الرسول الأعظم 14" ما بدا وكأنه إطلاقٌ مائل لنوع جديد من صواريخ أرض-أرض تم إطلاقه من عبوات أسطوانية محكمة الغلق وموضوعة داخل خنادق ضحلة "قليلة العمق" ومغطاة بطبقة خفيفة من التراب أو مواد التمويه. ولا يوجد مؤشر مرئي على وجود شبكة دعم بالقرب من مواقع الإطلاق.

ثالثاً، ادّعى "الحرس الثوري" الإيراني أن المنطقة التي أجريت فيها مناورات "الرسول الأعظم" تمت "مراقبتها" للمرة الأولى بواسطة قمره الصناعي الجديد الخاص بالتصوير "نور"، والذي أُطلق في 22 أبريل. وتم سابقاً تزوير قدرات "نور" - إذ تبين لاحقاً أن الصور التي يُفترض أنه التقطها لـ "قاعدة العديد الجوية" قد تم نسخها من "غوغل إيرث" "Google Earth". ومع ذلك، تشير بعض الصور التي نُشرت خلال مناورات "الرسول الأعظم 14" إلى أن "نور" يتمتع بقدرات متعددة الأطياف مع استخدام محدود للمعلومات الاستخباراتية.

رابعاً، قامت طائراتٌ من نوع "سوخوي سو-22" تابعة لـ "القوة الجوية الفضائية لـ "الحرس الثوري" الإيراني" "التي تتمركز عادة في شيراز على بعد 500 كيلومتر شمال غرب مضيق هرمز" بإلقاء قنبلة انزلاقية من طراز "ياسين" تزن 660 كيلوغراماً على أهداف بحرية خلال المناورات. ويُزعم أن نطاق قنبلة "ياسين" الموجّهة بـ "نظام تحديد المواقع العالمي" يتراوح بين 50 و100 كيلومتر، وهي بذلك تستطيع أن تمنح الطائرات الإيرانية نطاقاً معيناً بعيداً عن خط المواجهة عند محاولة مهاجمة السفن التابعة لقوات التحالف خارج نطاق دائرة الطائرة القتالية والبالغة 1100 كيلومتر.

وعلى النحو نفسه، استخدم "الحرس الثوري" الإيراني في مايو طائرات "سو-22" لاختبار نسخة تُطلق من الجو من صاروخ "فجر-4" الباليستي الموجّه.

وإذا تم توجيه هذا السلاح بنجاح إلى هدفه، فقد يشكل تهديداً لأصول التحالف العالية القيمة في بحر العرب.

● فرزين نديمي