في خطاب بارز الشهر الماضي، كاد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن يعلن الصين عدوة الأميركيين، فقال إن الولايات المتحدة تحتاج إلى استراتيجية جديدة للتعامل مع الصين وحماية أسلوب حياتها وإن «العالم الحرّ يجب أن ينتصر على هذا الاستبداد الجديد»، لكن يؤكد أي تحليل عقلاني على أن الولايات المتحدة لا تواجه تهديداً مماثلاً بل إنها لا تزال الجهة المُهيمِنة طالما تبتكر سياسات منطقية ومسؤولة.

قد تتطلب العلاقات الصينية الأميركية تكثيف المنافسة بين الطرفين مقابل تجنب الصراعات، وذلك لا يعني أن الصين عاجزة أو غير مؤذية، فقد طبّقت خطة مدروسة لتحديث اقتصادها وجيشها على مر عقود عدة وأصبحت بذلك ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم وقوة عسكرية إقليمية بارزة، ويجب ألا يتفاجأ أحد إذا قررت استعمال نفوذها المتزايد لتحقيق مصالحها في آسيا وأماكن أخرى.

Ad

اتخذت الصين خطوات مثيرة للجدل واستفزازية في بعض الحالات، مما أدى إلى تأجيج المخاوف السائدة، ففي السنوات القليلة الماضية، أعطى الصينيون طابعاً عكسرياً للجزر الاصطناعية في بحر الصين الجنوبي وفرضوا قانوناً أمنياً جديداً في هونغ كونغ وتابعوا إطلاق التهديدات لضم تايوان إليهم. يظن بعض المحللين أن هذه التطورات تعكس تهديدات عسكرية عالمية ولا بد من كبح الصين عبر التهديد باستعمال القوة العسكرية الأميركية.

لكن الصين تتقاسم حدوداً برية مع 14 بلداً وبحاراً ساحلية مع بلدان كثيرة أخرى، منها قوى نووية مثل روسيا والهند وكوريا الشمالية وباكستان، وقوى إقليمية مؤثرة على غرار اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وفيتنام. تبدو بكين منشغلة إذاً بالأمن الإقليمي أكثر من إطلاق حملة لغزو الأراضي في أماكن أخرى.

من المعروف أن حملات الغزو والاحتلال تكون صعبة التنفيذ ومكلفة، حتى في الدول الضعيفة نسبياً، وهذا ما استنتجته الولايات المتحدة من تجاربها الصعبة في العراق وأفغانستان، ومن الواضح أن قيادة الحزب الشيوعي الصيني تنشغل في محاولة الحفاظ على الأمن المحلي والإقليمي ويصبّ تركيزها على تطوير اقتصادها بدل التفكير بإطلاق التهديدات لمهاجمة بلدان أخرى حول العالم، لا سيما الولايات المتحدة.

لهذا السبب، يُفترض أن يُحدد صانعو السياسة الأميركيون جميع أهدافهم الاقتصادية والعسكرية لزيادة نقاط قوتهم والاستفادة من ضعف الخصوم وتحقيق الازدهار في الولايات المتحدة وحفظ أمنها بكلفة مدروسة، فذلك يعني الاعتراف بأن المصالح الأميركية والصينية تتوافق حيناً وتختلف أحياناً أو لا تتقاطع في حالات كثيرة. يجب أن تعكس السياسة الأميركية هذا الواقع، ويُفترض أن تبتكر الولايات المتحدة طرقاً فاعلة لخوض المنافسة عند الحاجة، تزامناً مع متابعة التعاون في المجالات التي تهمّ الطرفَين معاً.

لكن يصعب تحقيق الأهداف الأميركية إذا قررت الولايات المتحدة تطبيق مقاربة صدامية وغير مبررة كتلك التي طرحها بومبيو الشهر الماضي، وفي ظل توسيع الدوريات البحرية الأميركية في المياه المتنازع عليها بالقرب من الصين وفرض العقوبات على القادة الصينيين وإصدار مطالب علنية لتوجيه تصرفات قوة نووية، يسهل أن نتوقع سلوكاً متعنتاً وانتقامياً من الصين.

يجب أن تضغط الولايات المتحدة على الصين دبلوماسياً واقتصادياً لمعالجة مشاكل حقوق الملكية الفكرية وتتكل على نظامها العسكري الرادع القوي وتُشجّع شركاءها الإقليميين على تقوية دفاعاتهم الخاصة عبر استراتيجيات «منع الوصول أو تحريم الدخول» (A2/AD) التي تُطبّقها الصين أصلاً.

يتوقف استمرار التفوق الأميركي في الشؤون العالمية على إيجاد سياسة حكيمة والحفاظ على النفوذ الأميركي بدل تبديده في منافسة مفرطة ومسيئة مع الصين، فمن خلال مواجهة الصين بلا مبرر في أماكن أخرى، لا مفر من أن تستنزف الولايات المتحدة قواها، فتصرف مبالغ ضخمة وهي تحاول احتواء بكين في منطقتها وتزيد مخاطر اندلاع صراع مباشر مع دولة مسلّحة نووياً.

* «دانيال ديفيس»