بالإشارة الى ما تفضل به الباحث والزميل الفاضل أ. حمزة عليان يوم أمس 9/8/2020 في جريدة "الجريدة" الغراء تحت عنوان "قصة صورة تاريخية عمرها 119 عاما"، وقال عنها إنها "صورة عمرها أكثر من 100 عام، وما زال الاختلاف حولها قائما"، ويعني بها صورة صقر الغانم، فهناك سببان لهذا الاختلاف، الأول، مرور وقت طويل بغير تصحيح مستند الى معلومات مدعمة، والثاني هو المبالغة في الموقف منه بعد الذي حدث له، مبالغة تجاوزت حتى موقف الشيخ مبارك نفسه، فقد كان قد زوج ابنه ناصر من ابنة صقر، ومن بعد وفاة كل من مبارك وصقر، أيضا تزوج سالم المبارك من ابنة صقر الثانية، واستمرت العلاقة طيبة بين البيتين، ففي عهد الشيخ أحمد الجابر تم تعيين ابن صقر الغانم (غانم) مديرا لقوة الشرطة، وهو ما لم يكن ليحدث في موقع أمني كهذا، لولا أن العلاقة صارت طبيعية، ولا معنى لتحسس آخرين من القيام بالواجب العلمي في التحري والتدقيق اللازمين.

والأهم من موضوع الصورة -وسنعود إليها- هو توثيق دور قائد عسكري كويتي تناثرت في المصادر التاريخية أخبار اجتهاده في خدمة بلده وحماية الكويت بالتعاون مع مواطنيه وقيادته من اجتياح مدمر كاد يمسح الكويت من على الخارطة في تداعيات ما بعد معركة الصريف، ومع ذلك لم يتم توثيق عمله هذا وحياته كلها، رغم أن أعمال التوثيق في السنوات الأخيرة لم تترك شخصا، كائنا ما يكون مجهوده، الا تتبعت سيرته بالتفصيل الدقيق، فهل في هذا شيء من المنطق؟!

Ad

فيما يتعلق بالصورة، فقد سبقنا إلى تصحيح المعلومة حولها الأستاذ وليد السيف في دراسته القيمة عن "الشاعر الملا علي الموسى السيف- سيرته وشعره 1875 – 1946"، وأفرد فيها صفحة كاملة لموضوع هذه الصورة، ناقلاً عن سليمان السيف، وهو الشقيق الأكبر للشاعر علي السيف، قوله: "هذه الصورة تعود لأبوغانم، صقر غانم سعد الغانم، حيث كان قائداً لجيش الشيخ مبارك" وقد نشرت "القبس" هذه العبارة بتاريخ 9/2/1999 حسبما ذكر ذلك أ. حمزة عليان يوم أمس.

إن مرور وقت طويل بغير تصحيح لا يمنع تعديل ما يجب تعديله تحقيقاً للدقة في التوثيق التاريخي، ومن شواهد الاستدلال على ما سبق ذكره، أن الجالس في الصورة هو القائد العسكري، صقر الغانم، بمعرفة أسر وأهالي الرجال الواقفين في الصورة خلف صقر لذويهم، فهم معروفون بالأسماء، وبالزي المميز لهم، ففي مجتمعنا الخليجي تكون لنوعية العقال وطريقة وضعه دلالته على الشخص او القبيلة التي ينتمي اليها، ومن بين الأشخاص الظاهرين في الصورة "علي بن أحمد بن شاهين بن محمد الغانم" الذي عرف بين الناس بلبسه العقال الأبيض في مختلف مراحل عمره، بينما البقية في نفس الصورة يتبعون أسلوب صقر في لبس العقال الشطفة "المخمس" وهم، عبدالله الغانم، والد سلطان عبد الله الغانم، ويعقوب الغنيم الغانم.

وتحتفظ أسرة علي بن أحمد بن شاهين، إلى اليوم بصور جدهم علي بن أحمد، في مختلف مراحل عمره، حيث كان يرتدي العقال الأبيض شابا ورجلاً متقدما في السن (حسب الصورة المرفقة )، وقد انتقل علي بن أحمد من الكويت إلى قطر بعد أن طلب منه الشيخ مبارك المغادرة بسبب كثرة تردد رجال القبائل الذين عملوا مع صقر إلى مجلس علي بن أحمد لتتبع أخبار رجل قادهم في معارك لا تحصى، وعز عليهم ما جرى له، وبالنسبة لعلي بن أحمد فقد عمل في تجارة السلاح من قطر والبحرين، وبين الهند وبقية مرافئ الخليج، وقد ذكره الشيخ عبد الله الجابر في حديثه عن معركة كنزان في الأحساء في 28/6/1915، وتزويده لبعض أطرافها بالسلاح، وكان يدخل الكويت خفية من حين لآخر، ثم بعد سنوات تم ترتيب عودته إلى الكويت بشكل نهائي.

إن إشارة شخص أجنبي في كتابه عن الكويت لاسم الشيخ مبارك على أنه الجالس في الصورة متوقع تماما، فهو الشخص المعروف بالنسبة لهذا الأجنبي، مقارنة بالأسماء المحلية، فضلاً أن يكون هؤلاء "المحليون" - صقر ومن معه - هم في فترة استبعاد عن المشهد تماما.

وهناك من استفسر عن فارق العمر بين صقر الغانم، وعلي بن أحمد بن شاهين، معتبرا أن علي هو أكبر في السن من صقر، وبفارق كبير، وهذا غير دقيق تماما، فقد توفي علي بن أحمد عام 1953، أي بعد وفاة صقر الغانم بأكثر من ثلاثين سنة وأصغر أبناء صقر هو غانم، مواليد 1889، بينما أكبر أبناء علي بن أحمد، واسمه عبدالله، من مواليد 1900 وتوفي سنة 1981.

نعم، ليس صحيحا أن الجالس هو الشيخ مبارك الصباح، مع حفظ المقامات، فهو لم يستخدم أسلوب العقال الشطفة "المخمس" في أي من صوره، والأشخاص الواقفون من حول صقر هم شخصيات كويتية معروفة بالاسم لدى أهاليهم، ومن قال بغير ذلك فعليه البينة، طبعا مع التقدير والاحترام لكل رأي، الا أن مرور وقت طويل دون إظهار هذه المعلومة، لا يكفي لتحول ذلك الظن الى حقيقة، مع التأكيد على ملاحظة أن هذا الجزء من البحث جانبي، ويجب ألا يصرف النظر عن جوهر الموضوع.

وهناك من قال بأن الطفل الواقف هو الشيخ ناصر ابن الشيخ مبارك، وهذا خطأ أيضا، فالصورة التقطت عام 1901، والمعروف أن ابن ناصر المبارك، واسمه صباح الناصر، هو من مواليد 1903، فعمر والده، ناصر (الكفيف)، في تاريخ التقاط الصورة لا يقل عن 25 سنة، وليس طفلاً في حوالي العاشرة من عمره، كالموجود في الصورة.

علماً بأن الشيخ ناصر في مارس 1910 ترأس اللجنة التي أشرفت على جمع التبرعات لإنشاء مدرسة المباركية، ومن أعضائها، حمد الخالد، هلال المطيري، شملان بن سيف، ابراهيم المضف، ومن يقوم بهذه المهمة لا بد أن يكون في سن متقدمة، وليس طفلا في عام 1901.

القنصل الروسي في البصرة واثنان من ضباط السفينة الروسية "فارياج" في الكويت 12/12/1902، تزامن وصولهم مع غياب الشيخ مبارك عن البلاد فالتقاهم القائد العسكري صقر الغانم، والتقطوا هذه الصورة له معهم، وكان الشيخ مبارك في تلك الفترة يعتبر صقر يده اليمنى في الأمور العسكرية، وكان اهتمام القنصل الروسي متركزا في السؤال عما اذا كانت هناك سفينة حربية انكليزية قد زارت الكويت قبله، وأنه ما جاء الا ليعرض خدمات حكومته.

وهناك أيضا من اعتقد أن الواقف مع الروس هو الشيخ جابر المبارك، ومرة أخرى فإن طريقة لباس العقال في المجتمع العربي تكون من وسائل التعريف بالأشخاص، وأحيانا بالقبائل مثلما هو بارز في الصورة، وبالنسبة لطريقة لبس الشيخ جابر المبارك للعقال "الشطفة"، فهو مختلف عن أسلوب صقر الغانم "مخمس"، علما بأن كلاً من الشيخ جابر المبارك وصقر الغانم، قد خاضا معارك عديدة جنبا الى جنب، ويمكن الوقوف على المزيد من المعلومات حول العلاقة الوثيقة بينهما في كتاب الشيخ عبد العزيز الرشيد "تاريخ الكويت" صفحة 186.