كل من عاش في مدينة هونغ كونغ خلال فترة انتقالها في عام 1997 سيتذكر شتى التوقعات حول زوالها، وسيشعر بقدر كبير من الاستغراب والتعجب بسبب الكم الهائل من التقارير التي تحدثت عن موتها الوشيك بعد اقرار قانون الأمن القومي الجديد الذي صدر ضدها، وقد مر 23 عاماً على عملية تسليم المدينة وأثبت الزمن خطأ معظم تلك التنبؤات، ولم تبلغ هونغ كونغ مرحلة الزوال بل العكس من ذلك الى حد كبير حيث شهدت فترة ازدهار على شكل مجتمع حر، على الرغم من أن ذلك الازدهار وضعها في مفترق الطرق الذي تعانيه في الوقت الراهن ومن رؤية ضوء في نهاية النفق، وكان اللافت أن مدينة هونغ كونغ تمكنت من تحقيق انتعاش على الصعيد الاقتصادي وتضاعف الناتج المحلي الاجمالي للفرد فيها خلال تلك الفترة على الرغم من أن نصيبها من اجمالي الناتج المحلي في الصين قد تراجع من 27 في المئة الى 2.7 في المئة.

وتجدر الاشارة الى أنه منذ اقرار قانون الأمن القومي الجديد كانت عوائد سوق الأسهم في مطلع شهر يوليو قد وصلت الى حوالي 30 مليار دولار وهي نسبة أعلى من عوائد سوق الأسهم في اليابان بحوالي 40 في المئة، كما كان عرض الاكتتاب الأولي الخاص بخط الأنابيب مجزياً تماماً وتمكنت المدينة من استيعاب 14 مليار دولار من تدفقات صافي رأس المال منذ شهر ابريل الماضي.

Ad

الرواية الكاملة

وعلى الرغم من أن البيانات والأرقام الاقتصادية وحدها يجب ألا يتم التعويل عليها من أجل سرد الرواية الكاملة حول أي مجتمع فلا بد من التأكيد على أن هونغ كونغ قد تحولت الى مركز مالي عالمي ويرتبط مستقبلها بقدرتها على الاستمرار في لعب ذلك الدور. وبعيدا عن مصادر القوة السالفة الذكر فقد أساءت الصين وحكومة هونغ كونغ الحساب بشكل كبير من خلال عدم فهم سياسة تسلم المدينة – وافترضت السلطات أن الأداء الاقتصادي هو كل شيء وأنه مع ازدياد حجم الكعكة– من دون النظر الى التوزيع العادل– فإن مدينة هونغ كونغ سوف تستمر في تحقيق الاستقرار المنشود، ولكن المؤسف، على أي حال، أن السياسات ازدادت سوءاً والتباينات ازدادت اتساعاً في تلك المدينة، وثمة من يجادل في أن جذور المتاعب والقلاقل ترجع الى النظام الرأسمالي الذي أسهم في تضخيم الكعكة وترك الفتات فقط للأكثرية من السكان، واضافة الى ذلك تركت السياسات لأشخاص غير مؤهلين لتحقيق الهدف وأوصلوا المدينة الى وضعها الحالي.

ونذكر في هذا الصدد أن جيل اليوم من الشباب سيكون أول من لا يصدق أن العمل الجاد سيفضي الى مستقبل أفضل، وفي الوقت نفسه، توجد شريحة واسعة في هونغ كونغ ترى الأمور من منظور مختلف وقد جرفتهم العاصفة التي هبت في العام الماضي، وتجدر الاشارة الى أن اقرار قانون الأمن الجديد بدأ يؤتي ثماره ليجعل الأمور أكثر جلاء وأن يفضي الى سياسات مدروسة ومسؤولة بقدر أكبر.

الثمن المطلوب

ولكن ذلك الوضوح يتطلب دفع الثمن المتوقع وكانت الأسابيع القليلة الماضي بمثابة عامل تذكير بمدى قوة مواقع التواصل الاجتماعي كما تعرض سكان هونغ كونغ لسيل من الروايات من مختلف أصقاع الأرض وهي تشير الى قرب زوال المدينة، ولكن السذاجة هي السمة الغالبة على السكان وفي حين كانت الأخبار سلبية كانت مشاعرهم ايجابية ومتفائلة ويشعر معظم سكان هونغ كونغ بأن الفرص الحقيقية لا تزال موجودة في الصين وأن المستقبل يكمن فيها وليس في الولايات المتحدة أو أوروبا وأستراليا وخاصة في أعقاب الوقائع الاقتصادية التي نجمت عن أزمة وباء كورونا والهزة العالمية التي نتجت عن سوء مواجهته في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وتشير المحادثات مع كبار رجال الأعمال في هونغ كونغ الى وجود شعور مختلف جداً ازاء قانون الأمن القومي وكيف تغيرت نظرة الناس الى المدينة ومستقبلها، وتوجد نظرة تشير الى أن سكان المدينة وبعد توجيه رسالة قوية الى الصين والى حكومة هونغ كونغ عن طريق موجة الاحتجاجات يشعرون أيضاً أن المدينة التي يحبونها لن يسمح لها بتدمير ذاتها ويتعين عليها الانتقال الى مرحلة التعافي، وتمثل هذه النظرة المرونة التي يشتهر بها سكان المدينة الذين يسعون الآن الى ايجاد حلول للخروج من الأزمة.

والسؤال الذي يتردد في هونغ كونغ اليوم هو: ما الذي يمكن توقعه في ضوء التطورات الأخيرة هناك؟ ويبدو لأول مرة منذ سنة حتى الآن أن ثمة توجهاً نحو استعادة الوضع الطبيعي فيها وأن المخاوف من حوادث العنف التي تسببت في شلل المدينة قد اختفت الى حد كبير على الرغم من وجود شعور بالقلق من القانون الجديد، وعلى سبيل المثال تبدو الشوارع مكتظة على الرغم من وجود لافتات على متاجر مغلقة نتيجة الانكماش الاقتصادي الذي نجم عن موجة واسعة من الاحتجاجات وانتشار وباء كورونا. وقد امتلأت المطاعم الى حد دفع البعض الى الانتظار من أجل حجز طاولة لتناول الطعام، كما عادت حركة السير ويتحدث سائقو سيارات الأجرة عن ضغوط العمل وصعوبة العثور على سيارة أجرة.

تأثير «كورونا»

ويتمثل مصدر القلق الرئيس اليوم في انتشار وباء كورونا والقيود الجديدة التي فرضت على التجمعات مع التذكير بالعدد الصغير من الاصابات الذي يصل الى 130 حالة في اليوم مقارنة بزيادة تبلغ 20 ألف حالة يومياً في الولايات المتحدة منذ 16 يونيو الماضي، ويشير ذلك الى الزيادة اللافتة في توخي الحذر والرعاية الجماعية والمسؤولية التي يتحلى بها سكان هونغ كونغ.

وقد يشعر رجال الأعمال وكبار أقطاب الصناعة المالية بقدر من القلق ازاء تطبيق القانون الجديد ولكن معظمهم لا يتوقع أن يساء استخدامه من قبل الحكومة نتيجة التوازن في النظام القضائي هناك كما أن الكثير من سكان هونغ كونغ عاشوا وعملوا في المدينة وفي الصين أيضاً وهم لا يعتقدون أن لبكين أي مصلحة في تقويض حكم القانون الذي يجعل المدينة فريدة ومتميزة وذات قيمة بالنسبة الى الصين على شكل مركز مالي عالمي، ويشعر سكان هونغ كونغ بثقة تامة في استقلالية القضاء وهذا ما يعبر عنه الكثير من المحامين البعيدين عن الصراع السياسي في المدينة.

الحكم المبكر

وتقول النظرة العامة إنه من المبكر الحكم على ما سيحدث في المستقبل ولكن الأمل يتمثل في حرص الكل على احترام القانون العام وفي وجود محكمة عليا للاستئناف اشتهرت بقدر كبير من النزاهة والحياد ولا توجد مؤشرات على احتمال حدوث تغير في هذا الوضع، وقال كبير القضاة قبل أسابيع قليلة إنه لا يرى ما يوحي بقيام قانون الأمن الجديد بتقويض النظام القضائي في المدينة، وكانت محكمة الاستئناف العليا قد تأسست في الأول من شهر يوليو في عام 1997 وهي تضم في الوقت الراهن 15 قاضياً اشتهروا بالكفاءة والعدل ولم يعلق أحد منهم على قانون الأمن الجديد وسيتمثل التحول في الصورة اذا قرر بعضهم تقديم استقالته أو تم استبداله وهي خطوة غير محتملة على أي حال.

وقد بدأ تنفيذ قانون الأمن القومي الجديد وسنعرف تداعياته بمرور الوقت مع تأكيد أن سكان هونغ كونغ يعلمون أن حكم القانون يشكل ركيزة حيوية لمستقبل اقتصاد المدينة اضافة الى جعل المدينة بوابة عبور الى الصين وواحدة من بوابات الصين الى العالم، ثم إن من مصلحة الصين وجود قوانين أمن قومية لضمان تحول المدينة الى مكان آمن للعيش والعمل فيه واعطاء صورة مشرقة عن الصين.

في غضون ذلك، نشير الى أن تطبيق القانون الجديد لن يلحق الضرر بسكان هونغ كونغ ولكن القضايا الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين التي حولت المدينة الى أداة للضغط قد تفضي الى متاعب لسكان المدينة الذين يستحقون حياة أفضل ومساعدة من المجتمع الدولي.

● تشاندران نير