في تصعيد جديد للمعركة السياسية والتجارية المستمرة بين أكبر قوتين اقتصاديتين، اتّهمت بكين واشنطن أمس، باللجوء إلى «الترهيب» في قضية تطبيق «تيك توك» الرائج لمشاركة التسجيلات المصورة، بعدما كثّف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الضغط من أجل بيع فرعه في الولايات المتحدة لشركة محلية خلال ستة أسابيع.

وقال المتحدث باسم الخارجية الصينية وانغ وينبين، في إيجاز صحافي دوري، «يتعارض ذلك مع مبدأ اقتصاد السوق ومبادئ منظمة التجارة العالمية القائمة على الانفتاح والشفافية وعدم التمييز».

Ad

وفتحت واشنطن تحقيقاً رسمياً بشأن التطبيق على أساس مخاوف مرتبطة بالأمن القومي، إذ إنه يجمع كميات كبيرة من البيانات الشخصية المرتبطة بالمستخدمين يتوجب عليه قانوناً مشاركتها مع السلطات في بكين في حال طلبت ذلك.

لكن وانغ أفاد خلال إيجازه الصحافي بأن «الولايات المتحدة، دون تقديم أي دليل، تستخدم مبدأ الأمن القومي الذي تم استغلاله. وتقمع بلا مبرر شركات محددة غير أميركية».

ورأى أن مبررات الأمن القومي للحملة الأميركية على الشركات الصينية «غير منطقية»، مضيفاً أن هذه الشركات تقوم بأنشطتها التجارية بما يتوافق مع القواعد الدولية والقوانين الأميركية. وقال: «لكن الولايات المتحدة تشن حملة ضدها على أساس تهم مختلقة. هذا كله مجرّد تلاعب سياسي».

وقالت وسائل الإعلام الرسمية، إن بكين لن تقبل «سرقة» الولايات المتحدة لشركة «بايت دانس» الملكة للتطبيق ولديها طرق للرد على ضغوط إدارة ترامب، مشيرة إلى فرض قيود مماثلة على الشركات الأميركية في الصين.

وقبل ساعات، أمهل ترامب الشركة الصينية «بايت دانس» حتى 15 سبتمبر لبيع تطبيق «تيك توك» لشركة أميركية، لتجنب «إغلاق نشاطه»، ووضع شرطاً جديداً مفاجئاً لتفعيل أي صفقة محتملة ينص على دفع تعويضات كبيرة لوزارة الخزانة.

وصرح ترامب أن شركة مايكروسوف بصدد إجراء محادثات لشراء التطبيق، البالغ عدد مستخدميه نحو مليار شخص في أنحاء العالم، يقومون بتسجيل فيديوهات قصيرة لا تتعدى 60 ثانية، على الهاتف الذكي.

لكن المسؤولين الأميركيين يقولون، إن التطبيق يمثل مخاطر على الأمن القومي لأنه يمكن أن يتيح تقاسم معلومات شخصية لملايين الأميركيين مع الاستخبارات الصينية.

وأكد ترامب أنه مهما كانت قيمة الصفقة «يجب أن تذهب نسبة مئوية كبيرة منها للولايات المتحدة، لجعل ذلك ممكناً». وقارن بين طلب جزء من الصفقة بمالك عقار يطلب «مبلغ خلو» غير مصرح من مستأجر جديد، وهي ممارسة غير قانونية على نطاق واسع يشمل نيويورك حيث بنى الملياردير امبراطوريته في مجال العقارات.

وأقر مؤسس شركة بايت دانس تجانغ ييمينغ في رسالة إلى موظفيه بالضغوط الكبيرة، وفق ما نقلت عنه وسائل إعلام صينية، مضيفاً أن الفرق تعمل على مدار الساعة «من أجل التوصل إلى أفضل مخرج ممكن».

وقال تجانغ: «نحن غير موافقين على هذا القرار» القاضي بفرض بيع تيك توك «لأننا لطالما كنا ملتزمين ضمان سلامة بيانات المستخدمين وكذلك حياد وشفافية المنصة».

انتهاك للدستور

وأثار تلويح ترامب بحظر «تيك توك» في الولايات المتحدة سخط مستخدمين كثر للتطبيق الصيني في البلاد، إذ أكد هؤلاء في منشورات لهم رفض الرضوخ لمثل هذا القرار الذي يشكل في حال سريانه «انتهاكا للدستور الأميركي».

فالمقطع المصوّر الذي نشرته أمس الأول، نجمة على «تيك توك» تسمي نفسها «مايا 2960»، تسخر فيه من فكرة ترامب هذه، حظي سريعاً بمشاهدات فاقت المليون وبمئات آلاف الإعجابات على المنصة المملوكة من شركة «بايت دانس» الصينية.

وقالت في مقطع راب: «في استطاعتك حظر هذا التطبيق لكن سيظهر آخر محله. العرض موجود حيثما يوجد الطلب».

وقد توعدت «مايا 2960» في هذا المقطع ترامب بأن مستخدمي «تيك توك» لن يقبلوا أي حظر للتطبيق، مستشهدة بالتعديل الأول في الدستور الأميركي والذي يصون حرية التعبير في وجه محاولات الرقابة الحكومية.

كذلك حقق تسجيل مصوّر آخر يحمل عنوان «أنا لدى محاولتي إقناع ترامب بأن يترك لنا تيك توك»، انتشاراً كبيراً عبر التطبيق. وهو يظهر امرأة تلون وجهها بالبرتقالي وتبني جداراً من الطوب.

واستخدم الكوميدي الأميركي إيلايجا دانيالز «تويتر» لتوديع متابعيه على «تيك توك»، موجهاً «تحية كبيرة لدونالد ترامب على سوء إدارته للجائحة برمتها» وسعيه في المقابل إلى حجب تطبيق يرفع معنويات مستخدميه.

ونشر عشرون من نجوم «تيك توك» لديهم في المجموع مئة مليون متابع، رسالة مفتوحة إلى ترامب عبر موقع «ميديوم» يرفضون فيها أي توجه لحظر التطبيق الصيني في الولايات المتحدة.

وجاء في الرسالة «عالم افتراضي تهيمن عليه الكراهية عبر تويتر لا يوازي البتة مقاطع الفرح والكوميديا على تيك توك».

وأضافت الرسالة «بدل القضاء على تيك توك، لماذا لا تُغتنم الفرصة لإدراج تيك توك في البورصة الأميركية أو بيعها لشركة أميركية... فلتحل الرأسمالية هذه المسألة لا الدولة».

في سياق آخر، حذر رئيس تحرير صحيفة غلوبال تايمز الصينية هو شيجين أمس، من أن بكين ستتخذ إجراءات للرد إذا أجبر كل الصحافيين الصينيين المقيمين في الولايات المتحدة على الرحيل وإن هذه الإجراءات ستشمل استهداف الصحافيين الأميركيين في هونغ كونغ.

وكتب هو، في بيان على «تويتر»، «نظراً إلى أن الجانب الأميركي لم يجدد تأشيرات الدخول لصحافيين صينيين، فإن الجانب الصيني مستعد لأسوأ السيناريوهات وهو اضطرار كل الصحافيين الصينيين للرحيل عن الولايات المتحدة. لو حدث ذلك، فالجانب الصيني سيرد بما في ذلك استهداف الصحافيين الأميركيين في هونغ كونغ».

إلى ذلك، انتقدت الصين، أمس، انضمام فرنسا إلى الدول التي علقت اتفاق تسليم المطلوبين مع هونغ كونغ رداً على فرض قانون الأمن القومي المثير للجدل في المستعمرة البريطانية السابقة.

وقال الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ونبين للصحافيين، إن «قرار فرنسا وتصريحاتها بشأن هونغ كونغ تشكل تدخلاً في شؤون الصين».

وكانت كندا وبريطانيا وأستراليا وألمانيا ونيوزيلندا أعلنت، قبل فرنسا، إجراءات مماثلة.

ويشكل قانون الأمن الوطني أكبر تغيير في هونغ كونغ منذ إعادتها إلى الصين في 1997. ويخشى الناشطون الداعمون للديمقراطية تقويض الحريات والحكم الذاتي.