أنا من جيل فتح عينَيْ وعيه العام والسياسي على قضايا التكسُّب من المال العام، والعبث بمقدَّرات الشعب، والتلاعب بمدَّخرات البسطاء في البورصة، ففي بداية الثمانينيات كانت قضية المناخ وملياراتها من الدنانير، وأعقبها قضايا سانتافي وشراء أسهم BP وتداعياتها.

كل تلك القضايا خرج منها الجميع براءة، وكافأت الدولة المتلاعبين في سوق المناخ بشراء مديونياتهم، وأعقبتها قضايا الناقلات والاستثمارات الخارجية والنصّاب الإسباني ديلاروسا وأعوانه الكويتيين وعقود الخس والربيان للجيش والمدفع الصيني... إلخ.

Ad

كتبنا عن كل تلك القضايا على مدى ٣٠ عاماً، وعن خطورة الميوعة التي تتعامل بها الدولة مع كل هذه القضايا، ونتائجها الخطيرة، بسبب عدم العقاب الجدي للكبار الذين شاركوا فيها.

لذلك لا نستغرب اليوم أن يقوم بنغلادشي وإيراني وماليزي -مع احترامنا لجميع تلك الشعوب- بتطويع شخصيات مهمة في أجهزة حساسة مقابل المال، واختراق جميع مؤسسات الدولة الأمنية والسياسية.

كل مَنْ راقب المشهد بعد التحرير، لاسيما تعامل الدولة مع قضايا الفساد والرِّشا السياسية أثناء الانتخابات، كان يعي أننا سنصل اليوم إلى هذا الواقع المؤلم.

لذا أصبحت الكتابة والحديث عن قضايا الفساد في الكويت مقرفة، وبلا طائل، وأصبحنا "بالعين الموس"، بعد أن دمرت قيم ووعي جيل بأكمله، وأصبح عبداً لـ"الدينار"، بسبب شعب خرج من أعظم أزمة، وهي احتلال بلده وتدميره، دون أن يغير أسلوب إدارته السياسية، أو يُحاسب أحداً.