عند الإصغاء إلى كلام بوريس جونسون، قد نفترض أن التقرير البرلماني الأخير حول التدخل الروسي كان مجرّد محاولة لإضعاف خطة "بريكست"، لكنه ليس كذلك! بل يبدو تقرير لجنة الاستخبارات والأمن أكثر أهمية مما يتوقع الجميع، حتى أن المعلومات التي كشفها لا تتعلق في المقام الأول بروسيا، بل بوكالات الاستخبارات البريطانية.

فحوى التقرير ليس جديدا أو صعب الفهم: تتمنى روسيا بعد الحقبة السوفياتية أن يعاملها العالم كقوة عظمى، وهي تستعمل أجهزتها الاستخبارية لإيذاء دول غربية مثل بريطانيا لتحقيق هدفها، وتعليقاً على انتخابات 2019، اعترف وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب بأن روسيا لا توقف هذه المحاولات.

Ad

لكنّ المعلومة الأساسية في التقرير لا تتعلق بروسيا بل ببريطانيا، إذ يُقال إن السياسيين البريطانيين القصيري النظر شجّعوا على ترسيخ هذا الوضع، ويبدو أن وكالات الاستخبارات البريطانية اختارت أن تقف على الهامش وتراقب ما يحصل عن بُعد، ووفق أهم ثلاث عبارات في التقرير، كانت تلك الوكالات تعتبر الدفاع عن الديمقراطية في بريطانيا "مسألة شائكة" لدرجة تمنعها من التدخل، ويبدو أنها كانت منشغلة بخطط مكافحة الإرهاب لدرجة أن تُحوّل أنظارها عن ذلك الهدف، وحصلت هذه التطورات كلها لأن الحكومة بشكل عام، لا الوكالات الاستخبارية وحدها، تبنّت "مقاربة سياسية متساهلة بدرجة معينة" مع روسيا.

إنه فشل هائل لأن التقرير يذكر من جهة أن وكالات الاستخبارات البريطانية لم تكن تُركّز على التهديدات العدائية المثبتة، وهو يؤكد من جهة أخرى على تنامي الشكوك داخل الحكومة حول الأهداف الأصلية لتلك الوكالات، وهذه العوامل منعتها من أداء واجباتها في نهاية المطاف.

لكن لم يكن الوضع كذلك دوماً، فعند تأسيس جهاز الأمن الداخلي البريطاني وجهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية منذ أكثر من مئة سنة، كان يمكن اختصار صلاحياتهما بعبارة بسيطة وواضحة: "الدفاع عن المملكة"، ودامت هذه العبارة إلى أن تحوّل جهاز الأمن الداخلي أخيراً إلى هيئة قانونية في 1989 ثم تَبِعَه جهاز الاستخبارات الخارجية بعد خمس سنوات.

أوضح ريتشارد هالدان، رئيس اللجنة التي اشتقت منها تلك الوكالات في 1909، الأهداف الأصلية وراء العمل الاستخباري، وكُلّف الجهازان بالكشف عن "طبيعة ونطاق التجسس الخارجي الحاصل في الوقت الراهن داخل هذا البلد". كان يُفترض أن يكون جمع المعلومات الاستخبارية "منهجياً"، فهذا ما فعله جهاز الأمن الداخلي البريطاني تحديداً على مر الفترة المتبقية من القرن العشرين، لكنّ السياسيين ورؤساء الوكالات الاستخبارية اليوم تخلّوا عن هذه المقاربة بالذات تجاه روسيا.

يثبت هذا الوضع أن الوكالات الاستخبارية تهمل جزءاً أساسياً من عملها ويجب أن تفهم بكل وضوح ما تدافع عنه، لنأخذ المثال الموضوعي التالي: لم يكن تفكك بريطانيا المحتمل بعد استفتاء أسكتلندا في 2014 يصبّ في مصلحة بريطانيا، كما أنه يطرح مشكلة كبرى على مستوى الأمن القومي البريطاني، وهذا الموضوع يجب أن يكون محور اهتمام جهاز الأمن البريطاني لأن تفكيك بريطانيا يفيد قوى عدائية مثل روسيا.

أخيراً، يجب أن تكون الحجج التي تدعو إلى تعديل عمل الوكالات السرية بطريقة مبتكرة قوية، علماً أن البلد يحتاج إلى هذه الأجهزة لكنها لم تحرك ساكناً حين كانت بريطانيا تتعرض لاعتداءات روسية، لكن من سوء حظ بريطانيا، لا تكون مساعي إصلاح الدولة الضرورية على مستويات كثيرة بيد مفكر مثالي ومؤيد لفلسفة جورج هيغل من أمثال هالدان، بل إنها تقع على عاتق مُخرّب حاقد وغير كفؤ من أمثال دومينيك كامينغز الذي يروّج لأجندة خبيثة وحزبية يسهل أن تنشر مشاعر العداء تجاه أجهزة الدولة بدل أن تسهم في تجديد الثقة التي يحتاج إليها البلد اليوم.

* مارتن كيتل

* «الغارديان»