ما زلنا في منتصف التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا، وتراجع أسعار النفط في الشرق الأوسط، أو حتى في بدايتها، لكن تبرز مؤشرات مقلقة مفادها أن التعافي في هذه المنطقة سيكون أصعب من أسواق ناشئة أخرى. وتشير الأدلة الأولية إلى حصول تغيرات بارزة في النمو الاقتصادي، وقد بدأت الاقتصادات الآسيوية منذ الآن تثبت قوة تحمّلها أكثر من أميركا اللاتينية أو الشرق الأوسط.

في 13 يوليو، أصدر صندوق النقد الدولي توقعاته الاقتصادية المستحدثة حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتوقّع تراجعاً في نمو مصدّري النفط (هذا المعدل سلبي أصلاً) في عام 2020، بمعدل ناقص 7.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، قبل تسجيل نمو إيجابي مجدداً بمعدل 3 في المئة تقريباً، بحلول عام 2021. وتشير هذه الأرقام إلى خسارة في عائدات تصدير النفط في المنطقة بمعدل 270 مليار دولار في عام 2020. وفيما يخص مستوردي النفط في المنطقة، سيكون التراجع في النمو المتوقع أكثر اعتدالاً، فيساوي ناقص 1.1 في المئة في عام 2020، قبل أن يعود ويسجّل نمواً إيجابياً ضعيفاً يَقِلّ عن 2 في المئة في 2021.

Ad

لكن على مستوى المنطقة ككل، يبدو أن الأسواق الناشئة هي التي ستقود التعافي الاقتصادي في عام 2021 كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وفق تقديرات شركة Fitch Solutions التي تتوقع أن يتعرض النمو في الاقتصادات المتقدمة لأقوى الضربات في العام 2020. لن يدوم الركود الحاد، الذي يشهده العالم راهناً إلى الأبد، بل تتعلق المسألة الأساسية بعدم مساواة عائدات النمو وما تستطيع الحكومات فعله لحماية المواطنين من أسوأ تداعيات الانكماش وتضخيم عائدات النمو البطيء.

في ظل انتشار التوقعات حول إطلاق مسار التعافي في الاقتصادات الناشئة بإيقاع أفضل من اقتصادات أخرى بدءاً من 2021، لا تزال الاختلافات داخل الأسواق الناشئة هائلة. من المتوقع أن تنهض الاقتصادات في آسيا بوتيرة أسرع من مناطق الشرق الأوسط أو أميركا اللاتينية، وأن تسجّل نمواً سنوياً أعلى منها. سينجم ضعف معدلات النمو في الشرق الأوسط، خلال مرحلة التعافي في عام 2021 عن تباطؤ تعافي مصدّري النفط، لا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي.

في هذه المنطقة، تُعتبر دول الخليج المُصدّرة للنفط مصدراً للاستثمارات الخارجية المباشرة والتحويلات المالية وضامنة للنمو الإقليمي. وبما أن تعافيها يتأثر بفيروس كورونا، وبتراجع الطلب على النفط والغاز في ظل تباطؤ قطاعَي النقل العالمي والسياحة (بدءاً من السياحة الدينية في المملكة العربية السعودية وصولاً إلى المنتجعات الشاطئية في دبي)، وانخفاض الطلب في أسواق التجزئة والعقارات المحلية، من المتوقع أن تواجه دول مجلس التعاون الخليجي تراجعاً في إيقاع النمو في عام 2021. فيما يخص قدرة هذه الدول على التمسك بالخطط المالية عن طريق المساعدات والاستثمارات في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي وما وراءهما، لا يزال الوقت مبكراً لإطلاق توقعات جازمة. لكن من الواضح أن الإنفاق الحكومي بدأ ينكمش في مشاريع العقارات والبنى التحتية، ما يعني تقليدياً حصول انكماش عام في اقتصادات الخليج، والتوجه نحو تقليص سوق العمل، وتراجع الفرص المتاحة أمام العمال الأجانب، وانخفاض الأجور وتباطؤ تدفق التحويلات المالية.

تطرح الشعبوية تهديداً كبيراً على التعافي الاقتصادي في جميع الاقتصادات المتقدمة، لكنّ نقاط الضعف البنيوية الكامنة تحمل مخاطر مضاعفة في اقتصادات الشرق الأوسط. يبدو أن عوامل بطالة الشباب، وتراجع الحيز المالي لتقديم الحوافز اللازمة للأعمال التجارية (أو حتى لتأمين الكهرباء في لبنان) وتوسيع الخدمات الاجتماعية، فضلاً عن صعوبة الوصول إلى الرساميل، تتزامن مع الضغوط التي يفرضها الركود الاقتصادي المشتق من أزمة فيروس كورونا. من المتوقع أن تتعرض الحكومات والشركات للضغوط لتمويل الدين وإعادة هيكلة الديون القائمة. لكن يبرز مجدداً انقسام بين أغنى مصدّري النفط وأضعف مستورديه في المنطقة. تتابع الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر هيمنتها على إصدار الديون الإقليمية، فقد شكّلت حتى 84 في المئة من إصدارات السوق الإقليمي في النصف الأول من عام 2020 وفق بيانات بنك أبوظبي الأول.

سيكون الوصول إلى أسواق رساميل الديون الدولية أساسياً في خطة تعافي المنطقة. لكن ستظهر اختلافات في طريقة الحصول عليها، وتنشأ مصاعب أخرى نتيجة الاتكال المفرط على البنوك المحلية الإقليمية. لقد أثبتت البنوك الخليجية أنها مصدر مهم لتمويل المنطقة، واتّضح دورها حين أبدت مصر اهتمامها بالاستفادة من المقرضين الإقليميين. لهذا السبب أيضاً، أصبحت إيران في موقف صعب، على مستوى السياسة الداخلية والفائدة الاقتصادية، وهي تبذل قصارى جهدها لعقد صفقة كبرى مع الصين. بكل بساطة، لا وجود لأي مقرضين آخرين مستعدين لمساعدة إيران، إقليمياً أو دولياً. كذلك، لا تستطيع البنوك الإيرانية المحلية إنقاذ كيانات تدخل في خانة شبه الدول. بل تحتاج إيران إلى خصخصة أصول الدولة ووضع خطط لإيجاد مصادر بديلة للإيرادات الحكومية، لكنها تعجز عن تحقيق هذه الأهداف. لن تكون الصين شريكة مناسبة لجمع الرساميل بهذه الطريقة.

بالإضافة إلى تأمين الرساميل وتخفيف المشاكل المرتبطة بالعجز المالي عبر خطط إعادة الهيكلة والخصخصة، يجب أن تتعامل اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع أثرَين اجتماعيَين واقتصاديَين بارزَين للوباء: تراجع مشاركة المرأة في سوق العمل وانحسار جهود تمكينها، وزيادة المخاطر المطروحة على مكاسب العائد الديمغرافي. أولاً، من المتوقع أن يؤثر الركود على النساء في المقام الأول خلال المرحلة المقبلة. أحرزت المرأة تقدماً بارزاً في أنحاء المنطقة على مستوى التعليم العالي والاستفادة من الرعاية الصحية. لكن من المتوقع أن تتأثر المرأة مهنياً حول العالم بسبب أزمة فيروس كورونا لأن المتطلبات العائلية تستهلك المزيد من وقتها، ويسهل أن يستغني أرباب العمل عن النساء. ثانياً، تُعتبر طفرة الشباب في الشرق الأوسط ميزة إيجابية لكن تتوسع في الوقت نفسه فئات المتقدمين في السن. يُهدد الوباء المستجد قدرة المنطقة على الاستفادة من العائد الديمغرافي، أي تفعيل النمو الاقتصادي بفضل فئة الشباب المستعدة للمشاركة في سوق العمل بأعلى درجات الإنتاجية. يعني التخلي عن هذه الفئة اليوم أن يواجه جيل الشباب خلال السنوات المقبلة خسارة كبرى، علماً أنه يشعر بالإحباط أصلاً بسبب قلة الفرص. في ما يخص السياسة المالية، يطرح هذا الوضع مشاكل كارثية حتى دول الخليج الثرية تعجز عن تجنبها تزامناً مع تصاعد مشكلة المساواة بين الأجيال. حين يتقدم الشباب في السن، سيصبحون عبئاً متزايداً على الحكومات في مجالات الرعاية الصحية والإسكان والإنفاق الاجتماعي.

يبدو التعافي الاقتصادي في أنحاء الأسواق الناشئة إيجابياً بشكل عام، لكن ستختلف مظاهره بين منطقة وأخرى في العام 2021. سيكون الوضع في الشرق الأوسط أكثر تعقيداً لأن التعافي في دول الخليج يؤثر على فرص المنطقة كلها. من المتوقع أن تتعرض جهات معزولة مثل إيران لضغوط فائقة. لكن بشكل عام، يبقى الشرق الأوسط محكوماً بمعطياته الديمغرافية ويجب أن تتحمل الحكومات أعباء التعافي عبر تحديد المخاطر المطروحة على فرص نموها وإدراك دور النساء والشباب في هذه العملية.

● كارين يونغ