مع إصدار محكمة التمييز، هذا الأسبوع، حكماً بتأييد حبس متهمي شركة تيماس العقارية، وتغريمهم وشركات أخرى متهمة في القضية مبالغ مالية تتجاوز 100 مليون دينار، مع مصادرة المضبوطات؛ تكون قضية النصب العقاري قد طوت فصلا من فصولها، مقابل حتمية فتح ومناقشة العديد من الفصول الاخرى في سبيل منع تكرار هذا النوع من العمليات، الذي يعطي للجريمة أبعادا اقتصادية ومالية واجتماعية سيئة على المدى الطويل.

والنصب العقاري كأي عملية «بونزي»، نسبة إلى تشارلز بونزي أكبر المحتالين الماليين في التاريخ، تعتمد على خلق كيان استثمار تُستخدم فيه أموال العملاء الجدد لسداد أرباح العملاء القدامى، بهدف الحصول على «سمعة» أوسع في مجال الربح في المجتمع او السوق، دون وجود ارباح استثمار حقيقية، مما يستقطب في كل مرة المزيد من العملاء او الضحايا الجدد، الذين يدفعون الاموال لنظرائهم السابقين، حتى يتضخم المبلغ لدى كيان الـ «بونزي»- أو النصب العقاري، في حالة الكويت، فتحدث الكارثة بهروب الشركاء، أو تهريب الأموال وادعاء الخسارة أو الإفلاس، أو انهيار المنظومة او حتى اختفائها!

Ad

حدث ذلك، وبشكل صارخ وعلني في الكويت، فإن كانت عمليات بونزي تعود الى نهايات القرن التاسع عشر بكل ما فيه من محدودية تعقب عمليات الاحتيال؛ فإن النصب العقاري في الكويت حدث قبل سنوات قليلة في دولة لا تحتاج الى كثير من الجهد القانوني والمؤسسي، فضلا عن خبرات دول الخليج والعالم، لكبح اي عملية نصب مهما كانت معقدة، غير ان واقع الحال كان يشير الى حالة إهمال عميقة في متابعة الجريمة التي توزعت المسؤولية في حدوثها بين الجهات الاشرافية، وأهمها وزارة التجارة والصناعة، والضحايا الذين سلم كثير منهم اموالهم تحت اغراءات الطمع وأوهام الثراء السهل.

قصور الدولة

فحتى اليوم، ورغم صدور الأحكام القضائية النهائية والباتة في إدانة قضايا النصب العقاري، وارتباطها كذلك بجرائم غسل الأموال؛ لا يوجد في الكويت بروتوكولات او لوائح تحدد للمستثمر ضوابط وقواعد للبيع والشراء القانوني تعالج خلل وثغرات منبع الازمة، وهي المعارض العقارية، من ناحية تشريعية، أو تحدد آلية تقلل مخاطر الشراء؛ كترشيح قائمة من مكاتب المحاماة المعتمدة تتابع المسائل القانونية والإجرائية، او تحديد مؤسسات مالية لترتيب الاحتياجات التمويلية، فضلا عن توضيح دور السفارات الكويتية بالخارج في المساعدة أو التوجيه وغيرها، كذلك الاتفاق مع مواقع وشركات عقارية وتسويقية معتمدة، لتوضيح الاسئلة الشائعة التفصيلية عن المعلومات التي تهم المستثمرين قبل الاستثمار خارج الكويت، مثل «الرهن- المساحة- الموقع- الملاك- المشروع- الحقوق والواجبات القانونية- الضريبة- الخدمات كالكهرباء والمواصلات والانترنت- وجود العقار داخل التنظيم الحضري للمدينة، وغيرها».

أضف إلى ذلك عدم وجود تعريف واضح لدى الجهات المشرفة يحدد الفرق بين عمليات النصب وبين تعثر بعض المشاريع العقارية، الامر الذي يحرم الكثير من الضحايا من الحصول على حق التعويض، لاختلاف الموقف القانوني في كل حالة على حدة.

مسؤولية الضحية

اما الضحايا فلا شك يتحملون ايضا مسؤوليات كبيرة، وإن كانت بدرجة اقل من مسؤولة الدولة المنوط بها أمن المجتمع، فعندما ينجرف المستثمرون وراء انظمة استثمار جماعي غير مرخصة تقدم برامج مشابهة لبرامج التأمينات الاجتماعية، مع وعود للمستثمرين بأرباح خيالية ومضمونة ملحقة بهدايا كسيارات او ساعات ثمينة، كلما زاد المستثمر امواله لديهم، فإن الأمر هنا يدعو لترجيح التوجس والشك اكثر من المغامرة والاندفاع، لان للاستثمار عوائد غالبا معقولة ومنطقية، وارتفاع العائد في معظم الاحيان يعني وجود مخاطر مرتفعة في المقابل، وبالتالي فإن التركيز على العوائد دون المخاطر يعتبر خطأ جسيما طالما ادى الى اهلاك رأس المال.

منصات إلكترونية مشبوهة

بالطبع لا يمكن تصور القضاء تماما على عمليات النصب والاحتيال، لا في الكويت ولا العالم، مهما كان وعي المستثمرين وشدة المؤسسات في المكافحة، لكن بلا شك يجب العمل على تطويق هذه العمليات وتجفيف منابعها والحد من ظهورها بأشكال او صيغ مختلفة ومتجددة، ولعل ما نراه هذه الايام من دعوات غير مرخصة لتداول الاسهم على منصات التواصل الاجتماعي بحاجة لموقف من هيئة اسواق المال الكويتية، او حتى التنسيق مع نظيراتها الخليجية لمخاطبة منصات التواصل لمنع هذه الاعلانات غير المرخصة، والتي يبلغ في عدد منها التدليس بالدعوة لشراء اسهم كيانات غير مساهمة او متداولة للعامة؛ كمؤسسة البترول الكويتية، او انتهى الاكتتاب في طرح اسهمها؛ كشركة ارامكو السعودية، او ان تعد المستثمرين بأرباح مضمونة وخيالية. كما يجب تطبيق القانون لمعاقبة مشاهير «السوشيال ميديا»، الذين يستغلون جماهيريتهم في التدليس على جمهور ذي خبرة بسيطة جدا في مسائل المال والاستثمار... فلا يجب أن نتحاشى النصب العقاري، ونقع في تدليس تداول الاسهم عبر منصات الكترونية غير مرخصة.