بدأت البيانات الاقتصادية للولايات المتحدة تُظهر علامات تدل على انتعاش أكبر اقتصاد على مستوى العالم. وعاد إنفاق المستهلكين وثقة شركات تشييد المباني السكنية إلى المستويات، التي شوهدت قبل تفشي الجائحة. كما انتعشت أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة في يونيو وسجلت ارتفاعاً بنسبة 0.6% على أساس شهري، فيما يُعد أعلى معدل نمو يتم تسجيله منذ عام 2012. ويأتي هذا الارتفاع بعد ثلاثة أشهر من التراجع، كما أنه يعزى بصفة رئيسية لارتفاع بنسبة 12.3 في المئة في أسعار البنزين. ويعطي الانتعاش دلالات على التحسن الاقتصادي، حتى في ظل التراجع عن خطط إعادة فتح الأنشطة الاقتصادية نتيجة لاجتياح موجة ثانية من الإصابة بفيروس كورونا المستجد لعدد من الولايات.

وحسب تقرير أسواق النقد الأسبوعي الصادر عن بنك الكويت الوطني، أظهرت بيانات مبيعات التجزئة التي صدرت يوم الخميس الماضي ارتفاع مبيعات شهر يونيو بنسبة 7.5 في المئة، مقارنة بالشهر السابق، متجاوزة تقديرات الاقتصاديين بتسجيل نمواً بنسبة 5 في المئة، وذلك بعد ارتفاعها بنسبة 18.2 في المئة في مايو. ويعتبر المعدل المسجل في يونيو أقل بنسبة 1 في المئة عن المستويات المسجلة قبل الأزمة، وهو الأمر الذي يعزى لاستئناف المزيد من الأميركيين أعمالهم وإنهاء تجار التجزئة عمليات الإغلاق المرتبطة بتفشي الجائحة. كما أظهرت البيانات ارتفاع مؤشر الإسكان الصادر عن الجمعية الوطنية لعمال بناء المنازل، حيث ارتفع إلى مستوى 72 في يوليو مقابل 58 الشهر السابق، وتجاوز المؤشر حاجز 60 الذي توقعه الاقتصاديون. وتزامنت تلك القفزة مع انخفاض معدلات الرهن العقاري، والتي تراجعت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق.

Ad

كما أظهرت بيانات أعداد المواطنين الأميركيين، ممن يحصلون على إعانات البطالة، تحسناً في ظل تراجعها للأسبوع السادس على التوالي، حيث انخفضت من 17.8 مليون إلى 17.3 مليون. وتأتي تلك الانفراجة على خلفية قيام الشركات بإعادة توظيف العاملين، حتى مع استمرار عمليات التسريح للشهر الرابع على التوالي. حيث أضاف أرباب العمل 7.3 ملايين وظيفة خلال شهري مايو ويونيو مجتمعين، وذلك بعد خسارة قياسية بلغت 20.5 مليون وظيفة في أبريل.

ولم يتضح بعد ما إذا كان يمكن الحفاظ على صورة الانتعاش الاقتصادي على هيئة حرف V، وفقاً لما عكسته الأرقام. ولكي يحدث ذلك، يجب أن يستمر الزخم على الرغم من تراجع العديد من الولايات عن خطط إعادة فتح العديد من الأنشطة، عبر إصدار أوامر للمطاعم والأنشطة الأخرى المنظمة في الأماكن المغلقة بإيقاف أعمالها مجدداً.

الأسهم ترتفع والدولار يفقد زخمه

سجلت أسواق الأسهم مكاسب، خلال معظم أيام الأسبوع، إذ تجاهل المستثمرون المخاوف المتعلقة بفيروس كورونا المستجد. وكانت أرباح الشركات وحالات الاصابة الجديدة وآمال التوصل إلى لقاحات مكافحة الجائحة هي المحرك الرئيسي للأسواق خلال الأسبوع. وجاء هذا التفاؤل على خلفية منح إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) تصنيف المسار السريع لاثنين من أصل أربع لقاحات قامت شركتي فايزر وبيونتيك الالمانية بتطويرها. وتعني تلك الموافقة إعطاءهما إشارة البدء لتسريع عملية طرح اللقاح في الأسواق، بما يسمح لهما بالبدء في تجهيز ما يصل إلى 30 ألف شخص لإجراء التجارب السريرية للقاح بحلول نهاية الشهر، وقد يتم الانتهاء من تطوير اللقاح بنهاية العام.

وقد أنهى مؤشر ستاندرد آند بورز 500 تداولات الأسبوع على ارتفاع بنسبة 0.58 في المئة، ليغلق عند مستوى 32.24.73 نقطة، بينما سجل مؤشر داو جونز الصناعي ارتفاعاً بنسبة 1.70 في المئة، لينهي تداولات الأسبوع عند مستوى 26.671.95 نقطة.

وعلى خلفية تلك التطورات، عكس أداء المستثمرين «تفاؤلا حذرا» في ظل مراقبتهم لعودة ظهور حالات الاصابة بالفيروس في كافة أنحاء الولايات المتحدة. وأدى حذرهم إلى انخفاض عائدات سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بنسبة 0.3 في المئة، ليقترب من 0.6 في المئة، في ظل توجه المستثمرين إلى أصول الملاذ الآمن. وشهد الدولار الأميركي انخفاضاً في قيمته مقابل معظم العملات الرئيسية، وسجل تراجعاً بنسبة 0.70 في المئة وأغلق عند مستوى 95.942.

بنك كندا

يتوقع بنك كندا أن النشاط الاقتصادي لن يعود إلى مستويات ما قبل الجائحة حتى عام 2022، وستظل أسعار الفائدة منخفضة لمدة عامين على الأقل. وفي اجتماعه المنعقد يوم الأربعاء، أبقى البنك على سعر الفائدة الرئيسي للإقراض لليلة واحدة ثابتا، مشيراً إلى أنه سيبقى كذلك حتى يتم الوصول إلى المستوى المستهدف للتضخم بنسبة 2 في المئة بشكل مستدام. وصرح محافظ بنك كندا تيف ماكليم قائلاً: «ندرك أن الأسر والشركات تواجه قدراً غير مسبوق من حالة عدم اليقين. وبناء على ذلك، وعلى غير العادة نؤكد أن أسعار الفائدة ستظل منخفضة لفترة طويلة». وستعاني كندا أيضاً من تداعيات الأزمة، نظراً لمواجهة أكبر شريك تجاري لها، الولايات المتحدة، ارتفاعاً سريعاً في حالات الإصابة بالفيروس. ومن المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.8 في المئة في عام 2020، ثم يرتفع بنسبة 5.1 في المئة في عام 2021، ويصل إلى مستوى ما قبل الأزمة في مستهل عام 2022.

«الانتظار والترقب»

قرر مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، في اجتماع السياسات النقدية، الذي عقد يوم الخميس، الإبقاء على أسعار الفائدة الرئيسية دون تغيير، مع إبقاء برنامج الشراء الطارئ لمواجهة تداعيات الجائحة ثابتاً عند مستوى 1.35 تريليون يورو. وصرحت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد بأن تعافي منطقة اليورو من الأزمة الحالية والأضرار الاقتصادية التي ألحقها تفشي فيروس كورونا المستجد يواجه العديد من التهديدات. وتوقف البنك المركزي الأوروبي عن اتخاذ إجراءات جديدة بعد أربعة أشهر من تكثيف سياسات التحفيز النقدي، ودخل فيما يطلق عليه في أوساط المستثمرين فترة «الانتظار والترقب»، بهدف تقييم سرعة الانتعاش الاقتصادي قبل تفعيل إجراءات جديدة.

وعلى الرغم من حدوث «انتعاش هائل» وإن كان بمعدلات «متفاوتة» منذ أن وصل الاقتصاد إلى أدنى مستوياته في أبريل، فإن لاغارد قالت إن «ارتفاع حالة عدم اليقين بشكل استثنائي» ما زال يؤثر على إنفاق المستهلكين والاستثمارات التجارية. وواصلت تصريحاتها قائلة إنه: «من المتوقع أن تظل ضغوط الأسعار ضعيفة جداً»، مما يعني «ضرورة استمرار التحفيز النقدي بمعدلات كافية لدعم الانتعاش الاقتصادي وحماية استقرار الأسعار على المدى المتوسط».

وقد تحسنت آفاق نمو اقتصاد منطقة اليورو إلى حد كبير منذ الاجتماع الأخير للبنك المركزي الأوروبي في أوائل يونيو. وواصل المستهلكون الإنفاق بوتيرة متسارعة، بعد إعادة فتح المتاجر في مايو، بما ساهم في تعزيز أداء مبيعات التجزئة وارتدادها من التراجعات القياسية، التي شهدتها في مارس وأبريل، كما انتعش أيضاً الإنتاج الصناعي، وإن كان بمعدل أبطأ.

وبعد تقييم تأثير إجراءات التحفيز المتعددة، التي بدأها البنك المركزي لمواجهة تداعيات الجائحة، صرحت لاغارد أنها ستضيف 1.3 في المئة إلى الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو، و0.8 في المئة للتضخم بحلول عام 2022.

وجاء اليورو من بين أفضل العملات أداءً خلال الأسبوع الماضي، نظراً لتحسن أوضاع منطقة اليورو، مقارنةً بأجزاء أخرى من العالم، وبدعم من تراجع الدولار الأميركي، إذ أنهت العملة الموحدة تداولات الأسبوع على ارتفاع بنسبة 1.13 في المئة، وصولاً إلى 1.1428.

ناتج المملكة المتحدة

سجل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة في مايو نمواً بنسبة 1.8 في المئة، بعد انخفاض قياسي بنسبة 20.4 في المئة في أبريل، وانكماش بنسبة 6.9 في المئة في مارس. وعلى مدار الأشهر الثلاثة حتى مايو، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 19.1 في المئة، حيث أدت القيود الحكومية لمواجهة تفشي الجائحة إلى تراجع الأنشطة الاقتصادية بصورة هائلة. وتظهر البيانات تراجع الاقتصاد بنحو الخُمس، مقارنة بمستويات ما قبل فرض عمليات الحظر. ويقارن هذا المستوى بركود عام 2008، عندما تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.1 في المئة، خلال ربع واحد فقط.

وعادت مبيعات التجزئة في المملكة المتحدة إلى النمو مجدداً في يونيو، على خلفية الإنفاق عبر الإنترنت وشراء المواد الغذائية والأثاث. وتشير تلك البيانات إلى أن الطلب المتراكم نتيجة عمليات الإغلاق لاحتواء الجائحة يمكن أن يساعد المتاجر المتعثرة عند إعادة فتح انشطتها. كما أظهرت البيانات ارتفاع مبيعات التجزئة بنسبة 3.4 في المئة في يونيو، مقارنة بالشهر نفسه من عام الماضي، فيما يعد أول نمو تسجله منذ الإغلاق وأسرع وتيرة نمو منذ مايو 2018.

الاقتصاد الصيني يظهر انتعاشاً تدريجياً

ارتفعت صادرات الصين بشكل غير متوقع في يونيو، بالتزامن مع بدء الاقتصاديات حول العالم إعادة فتح انشطتها. كما نمت الواردات لأول مرة خلال العام الحالي، بما عزز آمال التعافي السريع من الجائحة، في ثاني أكبر الاقتصادات على مستوى العالم. حيث نمت الصادرات بنسبة 0.5 في المئة، وارتفعت الواردات بنسبة 2.7 في المئة، وفاقت تلك المستويات من النمو الانخفاضات المتوقعة عند مستوى 1.5 في المئة و10 في المئة، على التوالي.

من جهة أخرى، اتسع الفائض التجاري للصين مع الولايات المتحدة إلى 29.41 مليار دولار في يونيو، مقابل 27.89 مليار دولار في مايو. وبلغ إجمالي الفائض 46.42 مليار دولار، مقابل 62.93 مليار دولار في مايو. ويبدو أن الاقتصاد الصيني بدأ يتعافى تدريجياً من انكماشه الحاد، الذي بلغت نسبته 6.8 في المئة في الربع الأول من عام 2020، وذلك على الرغم من استمرار مخاطر التباطؤ المرتبط بتداعيات الجائحة.

إضافة إلى ذلك، عاد الاقتصاد الصيني مجدداً إلى تسجل نمو خلال الربع الثاني، في دلالة مبكرة على التعافي من تداعيات الجائحة. حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.2 في المئة في الربع الثاني من عام 2020، متجاوزاً توقعات ان يصل معدل النمو إلى نسبة 2.2 في المئة، وفي اعقاب تسجيله انخفاضا قياسيا بنسبة 6.8 في المئة. إلا ان مبيعات التجزئة تراجعت بنسبة 3.9 في المئة في نفس الربع، بما يشير إلى استمرار الضغط على الاستهلاك. وبلغت معدلات البطالة 5.7 في المئة، فيما يعد تحسناً هامشياً فقط عن مستويات شهر مايو البالغة 5.9 في المئة.