تؤكد الأوساط النيابية في بغداد أن التحالف العتيد، بين حلفاء إيران ورئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، يجهّز لخطوات كبيرة، معارضاً سياسات الحكومة الجديدة، برئاسة مصطفى الكاظمي، رغم التنازلات المتوسطة المفعول التي أبداها الأخير للمحور المقرّب من طهران.

وإذا كانت هذه خطوة متوقّعة، في ظل غياب الانسجام بين تعريف الكاظمي لمهمته، وتصوّر الفريق الآخر حول ضرورة ضبط خساراته المتواصلة في مرحلة ما بعد احتجاجات أكتوبر العاصفة، فإنّ الكاظمي لا يحقق نجاحاً يُذكر في إدارة علاقته بالرأي العام، المؤيد إجمالاً لحراك أكتوبر ومطالباته، وخصوصاً مطلب ضبط الميليشيات وسلاحها المنفلت.

Ad

وجاء اغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي، المعروف بمعارضته لنفوذ طهران، الأسبوع الماضي، ليسلّط الضوء بنحو قاسٍ على بطء ردود فعل الحكومة حيال التحدي الميليشياوي منذ محاولة فاشلة قام بها الكاظمي لضبط ما يُعرف بخليّة الكاتيوشا، وهي فريق يطلق الصواريخ بانتظام ضد معسكرات الجيش ومقارّ الحكومة والسفارات الأجنبية.

وأدت الأحداث المتوالية إلى تراجع في حماس الجمهور لفرص الكاظمي، بوصفه رئيس حكومة شاباً قاد جهاز المخابرات أربعة أعوام بنحو مقبول، وعمل ضد نفوذ إيران، وعزز سيادة الدولة في ملفات عدة، لكن معالجته لتطورات الأحداث منذ يونيو الماضي جعلت الجمهور يشعر بأن هناك ضعفاً يقابله استقواء وتحد من الفصائل المعروفة بشراستها.

ووسط انهيارات متواصلة في القطاع الصحي، من خلال تصاعد الوفيات بسبب جائحة كورونا، بمعدل 100 ضحية يومياً خلال الأسابيع الماضية، تتقلص إمدادات الطاقة الكهربائية، وتثير الغضب السنوي المعتاد، الذي غالباً ما يشجع على تنظيم احتجاجات عنيفة، خصوصاً في جنوب البلاد ذي الأغلبية الشيعية.

وتذكر الأوساط النيابية أن التحالف بين نوري المالكي وممثلي الفصائل المسلحة الموالية لطهران، يوشك أن يُنهي استعداداته لاستغلال هذه الظروف على النحو الأمثل، لا عبر تحركات داخل البرلمان لاستجواب الوزراء والتهديد بإقالتهم، وربما استجواب رئيس الحكومة نفسه، فحسب، بل بفعاليات على الأرض.

وشهد أمس الأول صدامات عنيفة، حين منعت قوات الأمن سجناء سابقين ومعارضين لنظام صدام، من دخول بغداد، حيث كانوا يعتزمون الاحتجاج أمام مقر الحكومة ضد قرار بتقليص كبير في امتيازاتهم المالية، اضطر إليه الكاظمي نتيجة تراجع أسعار النفط.

وأصدر المالكي ومتحدثون باسم الميليشيات بيانات استنكار، وقالوا إنهم سيدعمون المحتجين لمواصلة اعتراضهم، مما فسّر بأنه خطوة قد تعني استغلال الأجواء الغاضبة في البلاد لإحراج الكاظمي بنحو أكبر في ملفات عديدة.

ويذكر مقربون من الكاظمي أنه يدرك ضرورة العمل مع ناشطي حركة أكتوبر الشعبية، لمنع اختراقها من قبل أنصار إيران، حيث قد يتم حرف مسارها، لكن الكاظمي يبقى محدود القوة في الوضع الراهن، ولا يمكنه توفير السرعة المطلوبة لاحتواء غضب الجمهور وتوحيده إزاء تحديات النفوذ الإيراني والمصاعب الاقتصادية.

ولم يُفلح الكاظمي في إثارة اهتمام الجمهور حتى حين ذهب مطلع الأسبوع إلى منفذ حدودي مهم مع إيران في ديالى، وقال إنه أمر بإطلاق النار على كل «شبح» يخترق الحدود أو يهرّب السلع والأسلحة، أو يعتدي على الحرم الجمركي والإدارة المدنية، في إشارة واضحة إلى سلوك الميليشيات المعتاد.

لكن الجمهور لم يأخذ هذه التحذيرات على محمل الجد، واعتبرها مثل سابقاتها بحاجة إلى برهان على دخول الكاظمي مرحلة الفعل، بعد أن أمضى نحو شهرين في صوغ شعارات كبيرة نجحت الفصائل في كسر هيبتها تدريجياً.