ها هي جائحة "كورونا" تشل الحياة البشرية، وتفرض قوانينها الصارمة وتحطم أصناما ظلت البشرية عاكفة عليها أحقاباً متطاولة تدمر الحياة الإنسانية، وتشعل لظى الحروب، وتستنزف خيرات الإنسان لمصلحة قوى النهب والتعصب الدولية وطبقات تجار الجشع.

نعم لقد فرضت الجائحة توقف الحروب، وأصبحت الأولوية لمواجهة العدو المشترك المتمثل بالوباء الخبيث، وكذلك فرضت الجائحة أن تُغلَق الأسواق والمولات، ويكون البيع عبر المواقع الإلكترونية بالتوصيل للمنازل لكل السلع، فساعة الرولكس تشتريها لتصلك إلى البيت، وهنا نتساءل: أليس من المفروض أن تكون بربع السعر لأن الوكيل وكل التكاليف التي يتكلفها من نقل وتخزين ومعارض وموظفين وهامش الربح يجب أن تسقط وتباع من المصنع مباشرةً للمستهلك؟

Ad

وعلى هذه الشاكلة يكون من الواجب انخفاض الأسعار لجميع السلع والخدمات، فخدمة الجامعات العريقة، كما قال الخبراء، تتحول أسعارها بسبب التعليم عن بعد الذي فرضته الجائحة إلى عشرات الدولارات ثمن البرامج على النت بدل مئات الألوف، فضلا عن توفير مصاريف الانتقال والسكن.

فالجائحة الأخيرة أحدثت تحولات ستخلق قطيعة مع وضع ونظام تآكلت مبررات استمراره، كما كشفت هذه الجائحة لأفراد بني البشر عن القوة التي يملكونها إزاء شياطين التجارة، يحطمون بها أصنام التوحش التجاري، ويدكّون قلاع الأوهام التي قصمت ظهورهم.

فعلى الشعوب فرض نظام ما بعد "كورونا" وفرض الانخفاض في الأسعار بقوة التهديد بسلاح المقاطعة، وما أسهل أن تتشكل مجموعات ضغط عبر النت على مستوى المجتمعات وعلى مستوى الكرة الأرضية، لفرض إرادة المستهلك وإسقاط القوى والطبقات المستغِلة وهدم باستل نظام التجارة العتيق.

على الصعيد المحلي كشفت الجائحة مدى التشوّه في حياتنا حين تهاوت أسعار النفط فبرز العجز الهائل في الموازنة مما حرك التفكير والهمم الخامدة المخدرة تحت تأثير خرافة أبدية النفط كمصدر مضمون للدخل، كذلك فإن الجائحة كشفت تكدس العمالة المضرة في المجتمع، والتي لو تم ترحيلها لأدى ذلك إلى وفورات هائلة في الموازنة وتلاشي كل المظاهر السلبية من جرائم وزحام وضغط على المرافق واتجار بالبشر، كما ستفضي إلى استنهاض قوة العمل الوطنية المشلولة بفعل فاعل، والأهم أن تعديل التركيبة السكانية سينخفض معه العقار الذي يمتص به مالكوه دم التجار المنتجين ودماء الشعب لمصلحة طبقة طفيلية غير منتجة، ولا تدفع ضرائب أو توفر فرص عمل للكويتيين بل تعتمد على احتكار الأراضي وتكدس العمالة كيفما اتفق لتملأ الشقق.

وأجبرت جائحة "كورونا" الحكومة على إنجاز المعاملات عبر المواقع الإلكترونية لتسقط معها المعوقات البيروقراطية الثقيلة التي كتمت التطور الاقتصادي لعقودٍ من السنين وملأت الوزارات بجيوش الموظفين وأذلت الناس.

الجائحة فجرت الدمل الخبيث وسال تقيُّحه وأقذاره فلابد من تنظيفه ومداواته ليزول للأبد وإلا استفحل شره وتأبَّد خطره.

أخيراً إن فيروس "كورونا" الضعيف كان بمثابة الدابة التى أكلت منسأة سيدنا سليمان، عليه السلام، فخر جثمانه الميت وعلمت الجن التي كانت تشقىٰ في العذاب المهين أنها كانت خائفة من جثة هامدة.