لماذا احتاج الرئيس فلاديمير بوتين إلى الاستفتاء الوطني حول تعديل الدستور الروسي في 1 يوليو؟

بشكل عام، يبدو أنه يحتاج إلى إعطاء طابع شرعي لدستوره الجديد الذي يسمح له بالبقاء في السلطة بعد نهاية ولايته الراهنة في عام 2024 وتجديد العقد الاجتماعي مع الشعب، إذ تتعدد التحليلات المنطقية في هذا المجال، لكنها لا تأخذ بالاعتبار عاملاً مهماً آخر: ما تأثير الاستفتاء على علاقة بوتين بالنخبة السياسية؟

Ad

أعلن الرئيس الروسي حديثاً أن ظروف العهود الرئاسية تبدلت بعد هذا الاستفتاء الذي يسمح له بالترشّح مجدداً في عام 2024، فقال: "خلال سنتين، أعرف من خبرتي الشخصية أن جزءاً من أوساط السلطة سيبدأ بالبحث عن خلفاء محتملين للرئاسة بدل متابعة العمل الروتيني الاعتيادي".

هذا الخوف من أن تبدأ النخبة السياسية البحث عن خَلَف للرئيس الحالي بدل التمسك بنظام العمل القائم يفسّر رغبة بوتين في تعديل علاقته بها، وتعكس خطته الرامية إلى كسب تأييد الشعب انعدام ثقته بالمؤسسات السياسية، حيث يبني أي حاكم سلطته على عقد مع الشعب يسمح له بفرض قراراته على النخبة السياسية، أو عقد مع تلك النخبة لإقناع الشعب بتوجهاته.

قبل مارس 2020 عند الإعلان عن التعديلات الدستورية المرتقبة، كان الإطار الزمني لتسليم السلطة ينتهي في عام 2024، مع نهاية ولاية بوتين الراهنة، أما اليوم فلم تعد العملية الانتقالية تتعلق بأي مدة زمنية، من خلال منع النقاش حول العهد المقبل، يحاول بوتين تهدئة النخبة السياسية ومعالجة مشاكل المرحلة الانتقالية، لكنّ قراره بدأ يعطي أثراً معاكساً ويزيد الشكوك السائدة.

قرر بوتين أنه يحتاج إلى تجديد ولايته انطلاقاً من الشعب لإنشاء نظام له دستور جديد واحتكار الرئاسة لاتخاذ جميع القرارات المستقبلية، لكن المشكلة تكمن في اختلاف التفسيرات التي يعطيها الرئيس والنُخَب السياسية لمستوى شرعية هذا التفويض وقوة الدعم الشعبي لبوتين.

تكشف استطلاعات الرأي أن أكثر من نصف الروس مستعدون للتصويت لمصلحة التعديلات الدستورية، وعند مراعاة العوامل الإدارية (مثل الضغط على موظفي القطاع العام للتصويت)، تعني النتيجة أن أكثر من 70% من المشاركين يدعمون التعديلات، لكن ربما تحمل هذه الفئة من الناس معنىً سياسياً مختلفاً بالنسبة إلى بوتين والأوليغارشيين عموماً.

قد يعتبر الرئيس نتيجة التصويت تأكيداً على أن الشعب الروسي يعطيه دعماً مضموناً لسنوات إضافية، لكنّ النُخَب البراغماتية تحمل نظرة عقلانية مختلفة، إذ تدرك هذه الأوساط طريقة التصويت في روسيا، فقد تساوي نسبة السبعين في المئة 25% من الدعم الحقيقي أو خسارة كاملة للثقة.

كان الاستفتاء وسيلة لجعل بوتين يُجدد عهده السياسي ويفرض قراراته على النخبة السياسية، لكنّ شرعيته تبقى مشبوهة، إذ بدأ بوتين يرسم خطوطاً حمراء جديدة بشكلٍ أحادي الجانب في خضم سعيه إلى إرجاع السياسيين إلى مكانتهم الطبيعية، مما يجعل العلاقة بينهم أكثر براغماتية وأبعد ما يكون عن الجهود الجماعية، ولا شك أن تلك النُخَب ستتابع البحث عن الرئيس المقبل رغم حرمانها من مطالبها مستقبلاً، لكنها لن تلهي بوتين عن "عمله الروتيني الطبيعي".

من خلال تنظيم هذا الاستفتاء الوطني، يهدف بوتين عموماً إلى ترسيخ الظروف القائمة منذ ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا في عام 2014، علماً أنه القرار الذي ضمن ارتفاع نِسَب تأييده بدرجة فائقة، لكن على أرض الواقع، لم يعد الوضع على حاله، ومن الواضح أن محاولات التمسك بالماضي الغابر تخيف الكثيرين في أوساط المعارضة وداخل المؤسسات السياسية التي ترغب في المضي قدماً، وحتى الآن لا مؤشرات على حصول تمرد في أوساط النخبة السياسية، بل إنها تسعى إلى الحفاظ على نفسها بعد استنزاف الأدوات السياسية القديمة وعجزها عن ضمان الاستقرار في ظل الظروف المستجدة.

* تاتيانا ستانوفايا

«موسكو تايم»