لم يشكل الرقم الذي أعلنته المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات (ضمان)، التي تستند إلى بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، عن تراجع تدفقات الاستثمار الأجنبي إلى دولة الكويت عام 2019 بواقع 49 في المئة، صدمة لأي متابع لواقع تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد، خلال السنوات القليلة الماضية؛ إذ تتسق الأرقام المعلنة عن هبوط قيمة التدفقات الأجنبية إلى البلاد من 204 ملايين دولار عام 2018 إلى 104 ملايين دولار في عام 2019 مع سلسلة من البيانات السلبية لواقع البيئة الاستثمارية في الكويت، وتحديدا منذ تأسيس هيئة تشجيع الاستثمار المباشر «الأجنبي» عام 2014، باعتبارها الجهة المختصة بهذا النوع من الاستثمارات، التي بلغت أوجها في بداية التأسيس بجذب 953 مليون دولار، ثم أصيبت بانحدار شبه سنوي وصولاً إلى 104 ملايين دولار العام الماضي.

ورغم أن الخطاب الحكومي العام وأدبيات الهيئة المختصة كلها لا تفتأ تتحدث عن الرؤية وعن تميز الكويت كموطن للاستثمارات ذات القيمة المضافة والمحفزة للابتكار، أو العمل المتواصل نحو تعزيز التنويع الاقتصادي في الكويت، المؤدي الى الاستدامة؛ رغم ذلك تأتي الارقام لتدحض الأدبيات الإنشائية من اساسها.

Ad

قيمة وحصة

ومنذ عام 2014 (كما يشير الجدول رقم 1)، تراجعت قيمة الاستثمارات الاجنبية المباشرة الى الكويت من 953 مليون دولار لعام 2014 إلى 293 مليوناً لعام 2015، فـ 275 مليوناً لعام 2016، قبل ان ترتفع في عام 2017 الى 348 مليون دولار، لتعود عام 2018 الى الانخفاض مجددا إلى 204 ملايين، حتى استقرت العام الماضي بقيمة 104 ملايين دولار. ومن المفيد القول ان هذه الاموال مباشرة بطبيعتها، أي موجهة لاستثمارات محددة، من خلال تأسيس او مساهمة في شركات، ولا علاقة لها بالأموال التي تستقطبها بورصة الكويت، مثلا من ترقياتها في مؤشرات الأسواق الناشئة، مثل «فوتسي راسل» أو «مورغان ستانلي».

ولا يقتصر الإخفاق الكويتي في جذب الاستثمارات الاجنبية في جانب القيمة، بل أيضا في جانب الحصة من استقطاب الاستثمارات، مقارنة مع دول الخليج (حسب الجدول رقم 2)، إذ استقطبت الكويت 0.46 في المئة فقط من اجمالي 22.3 مليار دولار استقطبتها دول الخليج عام 2019، كان نصيب الاسد فيها لدولة الامارات بنسبة 61 في المئة، ثم السعودية بـ 20.1 في المئة، فعمان بـ 13.8 في المئة، والبحرين بـ 4.2 في المئة، فيما شكلت قطر نمو سالبا بخروج الاستثمارات الاجنبية منها، بما يعادل 2.8 مليار دولار وبنسبة 12.5 في المئة، مقارنة بالاموال الاجنبية الداخلة الى دول مجلس التعاون الخليجي.

صعوبات وتلكُّؤ

ومع ان الكويت وضعت في قوانينها بعض التسهيلات كالإعفاء الضريبي لمدة 10 سنوات من تاريخ تشغيل اي مشروع أجنبي جديد، الى جانب تملك الاجانب لحصص تصل الى 100 من ملكية الشركات المؤسسة لغرض الاستثمار الاجنبي، فإن هذا كله لم ينعكس على واقع الارقام التي تتدهور عاما تلو الاخر تقريبا، فبيئة الاستثمار في الكويت تعاني كثيرا من صعوبات الحصول على الاقامة، إلى الشح اللافت في المشاريع الاقتصادية الكبرى، منها مثلا مشروع مدينة الحرير، الذي يبدو ان اختلاط السياسي بالفني قد أدخله دهاليز الجمود الحكومي، فضلا عن الضعف اللافت في مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، الذي لم يُنتج على ارض الواقع اكثر من شركتين هما «شمال الزور للكهرباء» و«أم الهيمان للصرف الصحي»، مقارنة بـ 22 شركة لا تزال في مراحل الطرح والدراسة والتصميم وبكل ما فيها من بيروقراطية.

أضف إلى ذلك التلكؤ في تنفيذ مشاريع مدرجة على الخطط السنوية، كالمناطق الاقتصادية في العبدلي والوفرة والنعايم والنويصيب، وهي كلها في مراحل الاستشارة والتصميم، فضلا عن غياب المحاكم المختصة في التجارة والاستثمار، ويكفي ان نتذكر كيف استمر النزاع القضائي على المنطقة الحرة في الشويخ لمدة تتجاوز 10 سنوات، وهي مدة غير مغرية أبداً للمستثمرين الاجانب.

غياب «الأوفست»

كذلك يُضيّع غياب نظام كفؤ لـ «الأوفست»، اي الالتزام المفروض على الكيانات الأجنبية التي توقع عقوداً مع الحكومة، فرصاً لجذب الاستثمارات الاجنبية بمئات الملايين على الاقل، فعندما نطبق «الأوفست» في العقود العسكرية مثلا ستصل قيمة الالتزام لمصلح الكويت إلى 35 في المئة من القيمة النقدية للعقد، اي لو اشترت الكويت أسلحة بمليار دينار فإن الجهة الأجنبية التي باعت هذه الأسلحة ملزمة بتنفيذ مشاريع على شكل استثمار اجنبي في قطاعات الصحة والتعليم والتكنولوجيا والبنية التحتية، وغيرها من الاحتياجات محل الاتفاق، بقيمة تصل إلى 350 مليون دينار، هذا بخلاف العقود المدنية الخاصة بحصة الأوفست من عقود مقاولات الباطن ومشتريات السلع من الكيانات الاجنبية.

ولقد انتقل ملف الأوفست منذ عام 2018 من الهيئة العامة للاستثمار، بعد حلّ الشركة المختصة «الوطنية للاوفست»، الى هيئة تشجيع الاستثمار المباشر «الاجنبي»، والملف لا يزال في مراحل تمهيدية تتعلق بالتواصل مع الشركات وجمع الإقرارات، رغم ان «الاوفست» كنظام موجود بالكويت منذ 28 عاماً، لكن عوائده الحقيقية لا توازي مدته الطويلة، ولا اهدافه المفترض ان تكون نافعة للاقتصاد.

استثمار جريء

وفي الحقيقة، فإن الحديث عن التأخر في استقطاب الاستثمار الاجنبي من حيث القيمة او حتى الحصة يبدو معيباً، فالعالم اليوم يتجه نحو الاستثمار الجريء، كنمو وتيرة إصدار السندات البيئية الخضراء والسيارات الكهربائية واستثمارات المركبات الفضائية وإنتاج الريبورتات والتوسع في الخدمات اللوجستية والتكنولوجية، خصوصا على وقع تداعيات «كورونا»، وهذه بالنسبة إلينا غير مألوفة، مما يتطلب تغييرا في العقلية التي تتعامل مع ملف الاستثمار الاجنبي؛ لرصد طبيعة التطورات الاقتصادية والاستثمارية في العالم، مع التركيز على أن العائد الاقتصادي (المتمثل بتوفير فرص عمل للشباب الكويتي وجذب التكنولوجيا والخبرات الاجنبية، ولاحقا الحصول على ايرادات ضريبية للمالية العامة) هو ما يمثل أهم معايير النجاح.