مع نهاية شهر فبراير الماضي، وبداية شهر مارس، اهتز العالم بأسره لانتشار وباء كورونا. وإذا كان «كورونا» قد مسَّ وهدَّد، ولم يزل، حياة الإنسان، وأعاق وأوقف النشاط البشري في كل مكان، فإنه جار كأقسى ما يكون ذلك على الإبداع والثقافة والمبدع والمثقف.

إن الحدث الثقافي في الكويت، وخلال عقود طويلة، كان ينعقد تحت لواء المؤسسة الرسمية، وأعني بها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أو عن طريق المؤسسة الأهلية (رابطة الأدباء الكويتيين). لكن اللافت للنظر هو الجهد الإبداعي والثقافي الكبير لمجاميع «شبابية» كويتية وعربية، حيث استطاع بحضوره وأهميته أن يشكِّل حدثا ثقافيا إضافيا كبيرا، على ساحة الثقافة والفنون في الكويت.

Ad

إن الإشارة إلى مواسم دار الآثار الإسلامية، وما يقدِّمه مجمع الشيخ جابر الأحمد الثقافي، أو المنصات الثقافية: مثل منصة كلمات، والملتقى الإعلامي، ودار الفراشة ومختبر السرديات، وتكوين، وكاب، والملتقى الثقافي، ومكتبة صوفيا، ومنتديات الجليس، أو غيرها من المنتديات الشبابية الكثيرة، يشكِّل رافداً ثقافياً كبيراً لا يقل أهمية بأي حال من الأحوال عمَّا يقدمه المجلس الوطني ورابطة الأدباء، مع الإشارة إلى النَّفس الشبابي المتحمِّس، وقدرته الكبيرة على الحركة خارج أطر البيروقراطية الحكومية.

لقد توقف النشاط الثقافي في الكويت خلال الأشهر الماضية، إلا من أنشطة متفرقة هنا أو هناك، والتي اتخذت من شبكات التواصل الاجتماعي، والمحاضرات والندوات الافتراضية شكلاً جديداً لحضورها، سواء عبر لقاءات «إنستغرام» أو «زوم». لكن هذا النشاط المتفرق لم يكن بأي شكل من الأشكال قادراً على تعويض العطاء الثقافي الذي كان قائماً قبل جائحة كورونا. لكن، وبتمكن «الجديد المعتاد» من أخذ مكانه في حياة البشر بكل مكان، وعودة النشاط الإنساني لشيء من سابق عهده قبل «كورونا»، فقد صار لزاماً على الجميع: المؤسسة الرسمية والمؤسسة الأهلية، وباقي منظمي النشاط الثقافي، التوقف أمام ما كانت تقدمه قبل «كورونا»، والعمل على وضع تصور بفكر جديد لتقديم أنشطة مختلفة تواكب عالم ما بعد «كورونا».

كتبتُ في هذه الزاوية مراراً: إن عالم ما قبل «كورونا» لن يشبه عالم ما بعد «كورونا؛ بشراً وفكراً واقتصاداً وثقافةً وكتاباً وجمهوراً ووسيلة تواصل. لذا لابد أن تبدأ كل جهة بإعداد برامج تناسب الفترة الحالية والفترات المقبلة. فما عاد مقبولاً تبديد الأموال لتنظيم مؤتمرات بائسة خلف أبواب مغلقة، لا يحضرها إلا المدعوون لها، إضافة إلى كونها عاجزة عن تأسيس أي علاقة مع الساحة الثقافية الكويتية، ولا عاد مقبولاً ترتيب احتفالات بوجوه ملَّها الجمهور، كونها لم تعد قادرة على تقديم الجديد. العالم اليوم أمام لحظة منعطف بفكره ونشاطه وحركته، ومؤكد ضرورة انعكاس ذلك على فعل الإبداع والثقافة.

لقد قمت بدراسة أخذتني إلى أن ميزانية المؤسسة الثقافية العربية، وفي جميع الدول العربية، لا تتجاوز بأفضل حالاتها الواحد في المئة من إجمالي ميزانية الدول، وأن هذه الميزانيات الهزيلة التي تأكل رواتب موظفي المؤسسة جل مبالغها مهددة بالتقشف والتضييق. وبالتالي، فإن تنظيم مؤتمرات كبيرة ودعوة العشرات من المفكرين والكُتاب والفنانين، والدفع لتذاكرهم وإقاماتهم ومكافآتهم ما عاد مقبولاً، ولا عاد شكلاً يناسب المرحلة، بعد نجاح المؤتمرات واللقاءات الكثيرة حول العالم التي تمت بواسطة الدوائر الإلكترونية، سواء المغلقة، أو المفتوحة بمشاركة الجمهور.

إن الفكر الثقافي، وما يتصل به من رؤية ثقافية ونشاط ثقافي، يجب أن يتخذ شكلاً جديداً بمفردة جديدة وطرح إنساني جديد، يتخذ من القضايا المعاصرة، وخاصة تلك التي أفرزها وباء كورونا، مادة ثقافية يؤسس عليها، ويقدمها بإطار جديد يستدعي الجمهور ليكون مشاركاً فيها، مع التأكيد أن «كورونا» أخذ بوجهه بشراً كثيراً في مختلف بقاع الأرض، وهو بالضرورة أخذ فكراً بائساً ظلَّ أصحابه يلوكونه لعقود، وآن للساحة الثقافية المحلية والعربية أن ترى وجوهاً مخالفة وجديدة ومتجددة.