قد تغفل أستراليا هذه المرة عن ذكرى تفضّل نسيانها على الأرجح، فمنذ خمس سنوات خالفت أستراليا توجهات الولايات المتحدة للانضمام إلى واحدة من أهم مبادرات الصين في مجال السياسة الخارجية: البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، فهو الثمن الذي دفعته أستراليا لعقد اتفاق تجاري حر مع الصين بعد مماطلة كبيرة ومفاوضات لامتناهية امتدت أكثر من عشر سنوات وحاولت الحكومة الأسترالية إقرار الاتفاق عبر الدخول في شراكة استراتيجية شاملة مع الصين في 2014، لكن حتى هذه الخطوة لم تكن كافية لإرضاء بكين، وفي المقابل كان الانضمام إلى مبادرة البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في 2015 كافياً على ما يبدو.

وافق أقرب حلفاء الولايات المتحدة على عقد شراكات مماثلة مع الصين، لكنّ المصطلح الذي يصف الشراكة البريطانية الصينية قد يكون الأبرز بينها كلها: ترتكز علاقة البلدَين على "شراكة استراتيجية عالمية شاملة في القرن الحادي والعشرين"، بموجب اتفاق وقّع عليه الطرفان في أكتوبر 2015. لكنّ حقبة التعاون مع الصين قد تنتهي قريباً، إذ بدأت أستراليا وبريطانيا وكندا ونيوزيلندا تندم على مشاركتها في المبادرات الاستراتيجية الصينية، وكان قادة تلك البلدان يتوقون سابقاً إلى اكتساب هامش من الاستقلالية بعيداً عن حليفتهم الأميركية المتغطرسة، لكنهم وجدوا أنفسهم اليوم متحالفين مع الولايات المتحدة لمنع استعمال معدات شركة "هواوي" في شبكات الجيل الخامس، ومعارضة تلقي أموال صينية في الجامعات لاستضافة "معاهد كونفوشيوس"، والاعتراض على انتهاكات حقوق الإنسان الفاضحة في "شينغيانغ" وقمع الحكومة في هونغ كونغ والتحركات العسكرية في بحر الصين الجنوبي، فهم يترددون في دعم رئيس أميركي مكروه بنسبة كبيرة في بلدانهم، لكنهم يؤيدون اليوم مواقف دونالد ترامب السياسية تجاه الصين أكثر من أي وقت مضى، ولكل بلد أسبابه الخاصة لمواجهة الصين، لكنّ تلك الأسباب كلها تتماشى مع السياسة الأميركية.

Ad

لا أحد من أقرب حلفاء الولايات المتحدة يندم على التقرب من الصين بقدر أستراليا! حين قاد هذا البلد الدعوات العالمية لإجراء تحقيق حول أصل فيروس كورونا، ردّت الصين عبر فرض ضوابط على استيراد لحم البقر الأسترالي لأسباب متعلقة ظاهرياً بالصحة والسلامة، كما فرضت رسوماً جمركية على الشعير الأسترالي، كذلك، دعت الصين طلابها إلى تجنب أستراليا، فهددت بذلك قطاع التعليم الدولي الأساسي.

تغيّر المزاج السياسي في أستراليا بكل وضوح في الفترة الأخيرة وانقلب ضد الصين، وطوال سنوات، كانت السلطة هناك تدعم تقوية الروابط مع الصين باعتبارها خطوة أساسية للنجاح اقتصادياً، فحاولت جميع الأطراف، بدءاً من أقطاب التعدين وصولاً إلى السياسيين المتقاعدين، الاستفادة من ازدهار الصين، حتى بوب هوك، رئيس الوزراء الراحل الذي عرض اللجوء على الطلاب الصينيين غداة مجزرة ساحة تيانانمن، أصبح في نهاية المطاف جزءاً من جماعات الضغط المأجورة لمصلحة الشركات الصينية التي تسعى إلى الاستثمار في أستراليا، لكن ها قد ظهرت تداعيات تلك الممارسات الآن، فقد اشتكى بعض المحللين الأستراليين من اشتداد المخاوف من الصين حتى قبل انتشار فيروس كورونا. اليوم، يدعو القادة السياسيون في أستراليا إلى تبنّي مقاربة حذرة مع الصين، وهذا الشعور يطغى على معظم العالم الناطق باللغة الإنكليزية، وحتى السياسيين القلقين من تأييد السياسة الهجومية التي يتبناها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لديهم أسبابهم الخاصة للقلق من الصين، إذ يتعلق السبب بحقوق الإنسان بنظر رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن، وبتراجع نسبة تأييد الصين محلياً إلى 14% بنظر رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، وبأحداث هونغ كونغ بنظر رئيس الحكومة البريطاني بوريس جونسون، وفي مبادرة موحّدة بدت مستحيلة منذ سنة واحدة فقط، دعا سبعة وزراء خارجية سابقون في بريطانيا رئيس الحكومة إلى تنسيق رد دولي عاجل على قوانين الأمن القومي الجديدة التي فرضتها الصين في هونغ كونغ.

* سالفاتور بابونيس

* «فورين بوليسي»