منذ خمس سنوات فقط بدا وكأن إيران والولايات المتحدة تتجهان نحو توسيع هامش الانفتاح في علاقتهما، ففي عام 2015، تفاوضت الولايات المتحدة وخمس قوى عالمية أخرى حول اتفاق لإضعاف قدرة إيران على تطوير أسلحة نووية وفرض أوسع نظام تفتيش نووي في تاريخ الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكجزءٍ من ذلك الاتفاق حررت الولايات المتحدة عدداً من الأصول الإيرانية المجمّدة ورفعت بعض العقوبات، مما سمح لإيران بتصدير النفط والقيام باستثمارات خارجية لإعادة إحياء اقتصادها المشلول.

لكن تغيّر الوضع فجأةً في مايو 2018، حين انسحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق بقرار أحادي الجانب، مع أن جميع شركاء الولايات المتحدة اتفقوا على التزام إيران بالشروط المفروضة عليها، وطالب ترامب إيران بالتخلي عن برنامجها النووي المدني والعسكري، ووقف اختبار الصواريخ وإنتاجها، وإنهاء دعمها للعملاء الإرهابيين، حتى أنه عاقب الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران عبر فرض عقوبات ثانوية عليها تهدف إلى إقصائها من الأسواق الأميركية، ومنذ ذلك الحين اتخذت الأحداث منحىً خطيراً.

Ad

كان وضع إيران الأسوأ من بين جميع بلدان الشرق الأوسط خلال أزمة فيروس كورونا الأخيرة، ولمحاربة التداعيات الاقتصادية، طلبت طهران قرضاً بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، لكن أعاقته إدارة ترامب سريعاً، وزاد الوضع سوءاً لأن معظم الشركات والبنوك المتعددة الجنسيات حصرت تعاملاتها مع طهران أو أوقفتها بالكامل خوفاً من العقوبات الأميركية.

لكن بدل أن تعوق الولايات المتحدة مسار التعافي في إيران، يُفترض أن تستعمل المساعدات الإنسانية لتخفيف التوتر بين البلدين وكسب تنازلات من طهران، وتقضي أول خطوة أميركية محتملة بالتخلي عن موقفها المعارض للقرض من صندوق النقد الدولي، وفي المقابل، يجب أن تطالب الولايات المتحدة إيران بتشجيع عملائها على الانضمام إلى وقف إطلاق النار الذي أعلنته المملكة العربية السعودية في اليمن.

على صعيد آخر، يجب أن يشجّع الأميركيون أمين عام الأمم المتحدة على اقتراح إلغاء الشروط المسبقة لتلقي المساعدات في البلدان التي يجتاحها الفيروس، بما في ذلك إيران، وتستطيع وحدة العقوبات في وزارة الخزانة الأميركية أن تعلن دعمها لهذه المبادرة عبر تقديم ضمانات سريعة تمنع الإجراءات الأميركية من إعاقة الجهود التي يبذلها الأمين العام، وفي المقابل تستطيع واشنطن أن تضغط على إيران لمنعها من تجاوز حدود الاتفاق النووي من عام 2015 ولتشجيعها على التراجع عن تدابير تخصيب اليورانيوم والتعاون بالكامل مع عمليات التفتيش النووي، فقد سبق أن أعلنت إيران أنها مستعدة لاتخاذ هذه الخطوات مقابل رفع العقوبات، لكنّ توتر علاقتها مع واشنطن لم يُشجّع أي طرف منهما على المضي قدماً.

من خلال تجديد التواصل الثنائي عبر المساعدات الإنسانية واتخاذ تدابير لاحقة لبناء الثقة بين الطرفين، على غرار متابعة تبادل الأسرى، قد تتمكن الولايات المتحدة من حث طهران على تقليص اعتداءاتها العسكرية في المناطق المتنازع عليها، ومنعاً لتحوّل أي سوء تفاهم آخر إلى صراع حقيقي، على إيران والولايات المتحدة أن تطلقا خطاً ساخناً عسكرياً، يسمح فتح قناة للتواصل المباشر بتنفيذ تحركات سريعة في زمن الأزمات وبناء الثقة والتفاهم مع مرور الوقت.

قد يُمهّد خليط المساعدات الإنسانية وتدابير بناء الثقة إذاً لنزع فتيل الصراع مع إيران، حتى أن هذه التدابير قد تعيد الولايات المتحدة وإيران إلى طاولة المفاوضات لتحسين شروط الاتفاق النووي وتوسيعه، لكن حتى لو لم يصل البلدان إلى هذه المرحلة، لتحسن وضعهما عبر تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية والإنسانية في إيران من خلال إبطاء انتشار فيروس كورونا وفتح المجال أمام تكثيف التعاون الثنائي مستقبلاً، فلا يمكن إحراز أي تقدم إلا إذا تخلّت طهران وواشنطن عن كبريائهما وقررتا التعاون معاً، وفي المقابل سيؤدي اشتداد التوتر وتبادل العمليات العسكرية إلى تفاقم تداعيات الوباء وزيادة احتمال اندلاع حرب خطيرة وغير مقصودة.

* ستيوارت أيزنستات وتوماس بيكيرينغ