تقع قلعة قايتباي في مدينة الإسكندرية التي شيدت قبل أكثر من 500 سنة في نهاية جزيرة فاروس في أقصى غربي المدينة الساحلية. وشيدت في مكان إحدى عجائب الدنيا السبع القديمة، وهي "منارة الإسكندرية" التي هدمت عام 702 هجرية إثر الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون، حيث بدأ السلطان الأشرف أبوالنصر قايتباي بناء هذه القلعة في عام 882 للهجرة، وانتهى من بنائها بعد عامين.

Ad

قنصوه الغوري

وكان سبب الاهتمام بالإسكندرية كثرة التهديدات المباشرة لمصر من جانب الدولة العثمانية التي هددت المنطقة العربية بأسرها، واهتم السلطان المملوكي قنصوه الغوري بهذه القلعة فزاد من أهميتها وشحنها بالسلاح.

وصُممت القلعة على شكل مربع تبلغ مساحته 150 في 130 متراً يحيط به البحر من ثلاث جهات. وتحتوي القلعة على الأسوار والبرج الرئيسي في الناحية الشمالية الغربية، وتنقسم الأسوار إلى سور داخلي وآخر خارجي، يشمل الداخلي ثكنات الجنود ومخازن السلاح، أما الخارجي فيضم في الجهات الأربع أبراجاً دفاعية ترتفع إلى مستوى السور باستثناء الجدار الشرقي الذي يشتمل على فتحات دفاعية للجنود.

ويتخذ البرج الرئيسي في الفناء الداخلي شكل قلعة كبيرة مربعة الشكل. وتتكون القلعة من ثلاث طوابق مربعة الشكل، وتوجد في أركان البرج الأربعة أبراج نصف دائرية تنتهي من أعلى بشرفات بارزة، وهذه الأبراج أعلى من البرج الرئيسي وتضم فتحات لرمي السهام على مستويين، ويشغل الطابق الأول مسجد القلعة الذي يتكون من صحن وأربعة إيوانات وممرات دفاعية تسمح للجنود بالمرور بسهولة خلال عمليات الدفاع عن القلعة، وكان لهذا المسجد مئذنة لكنها انهارت.

رؤية السفن

أما الطابق الثاني فيحتوي على ممرات وقاعات وحجرات داخلية، ويضم الطابق الثالث حجرة كبيرة هي "مقعد السلطان قايتباي" الذي كان يجلس فيه لرؤية السفن على مسيرة يوم من الإسكندرية، ويغطي هذا الطابق قبو متقاطع. كما يوجد فرن لإعداد الخبز وطاحونة لطحن الغلال للجنود المقيمين في القلعة.

ولأن قلعة قايتباي تعد من أهم القلاع على ساحل البحر المتوسط فقد اهتم بها سلاطين وحكام مصر على مر العصور، ففي العصر المملوكي اهتم السلطان قنصوه الغوري بها بشكل كبير، وزاد من قوة حامياتها وشحنها بالسلاح والعتاد، ولما فتح العثمانيون مصر استخدموا هذه القلعة مكانا لحاميتهم واهتموا بالمحافظة عليها وجعلوا بها طوائف من الجند المشاة والفرسان والمدفعية ومختلف الحاميات للدفاع عنها، من ثم الدفاع عن بوابة مصر من جهة الساحل الشمالي.

الحملة الفرنسية

وعندما ضعفت الدولة العثمانية بدأت القلعة تفقد أهميتها الاستراتيجية والدفاعية نتيجة لضعف حاميتها، ومن هنا استطاعت الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت الاستيلاء عليها وعلى مدينة الإسكندرية عام 1798، مما أدى إلى الاستيلاء عليها، ومنها جرى الاستيلاء على باقي مصر.

وعندما تولى محمد علي باشا الحكم عمل على تحصين مصر، خصوصاً سواحلها الشمالية، حيث قام بتجديد أسوار القلعة وإضافة بعض الأعمال إليها لتتناسب والتطور الدفاعي للقرن التاسع عشر الميلادي، تمثلت في تقوية أسوارها وتجديد مبانيها وتزويدها بالمدافع الساحلية، إلى جانب بناء العديد من الطوابي والحصون التي انتشرت بطول الساحل الشمالي للبلاد.

وحين قامت ثورة عرابي عام 1882 والتي كان من نتائجها ضرب مدينة الإسكندرية في يوم 11 يوليو 1882، ومن ثم الاحتلال الإنجليزي لمصر، تم تخريب قلعة قايتباي وإحداث تصدعات بها، وقد ظلت القلعة على هذه الحالة حتى قامت لجنة حفظ الآثار العربية عام 1904 بعمل العديد من الإصلاحات بها والقيام بمشروع لعمل التجديدات بها استناداً إلى الدراسات التي قام بها علماء الحملة الفرنسية والمنشورة في كتاب "وصف مصر"، وأيضاً التي قام بها الرحالة كاسيوس في كتابه عام 1799.

المزارات السياحية

ولا تزال هذه القلعة إحدى أهم المزارات السياحية في مصر، وفي هذا الإطار قام وزير السياحة والآثار المصري، خالد عناني، أخيراً بتفقدها، لمتابعة الإجراءات الوقائية والاحترازية التي تخضع لها استعداداً لفتحها أمام الجمهور والسائحين مجدداً، بالتزامن مع قرار حكومي بعودة السياحة الخارجية مطلع يوليو.