لا يوجد في تصريحات وسلوك الحكومة الإسرائيلية ما يشير إلى أي نية للتراجع عن مخطط الضم الإجرامي الذي صممه نتنياهو وروجت له "صفقة القرن"، وقد تلجأ هذه الحكومة، بإرشاد أميركي، إلى محاولة امتصاص النقمة الفلسطينية والإقليمية والدولية الشاملة، عبر تجزئة الضم إلى مراحل تبدأ بفرض القانون الإسرائيلي (أي الضم الفعلي) لكتل استيطانية، ثم تتوالى حتى تصل إلى هدفها الحقيقي الذي لن يقل، برأيي، عن ضم 62% من مساحة الضفة الغربية مع تحويل ما سيتبقى إلى جيتوستانات فلسطينية تمثل معازل في إطار نظام أبارتهايد عنصري.

ولذلك لا يجوز التراخي أو الاسترخاء إن لم يتم الضم دفعة واحدة، فالضم الزاحف هو تماما كالضم الشامل، وقد بدأ بضم القدس وبعدها الجولان، والضم بحد ذاته ليس سوى المحطة الحالية في مسيرة صهيونية اعتمدت أسلوب الخداع السياسي مع الشراسة المطلقة في فرض الوقائع على الأرض.

Ad

الضم هو محطة في مسيرة بدأت بنكبة عام 1948، وأُتبعت باحتلال الضفة والقطاع في عام 1967، وتواصلت في البناء الاستيطاني الاستعماري، الذي رفض الإسرائيليون بعناد وقفه عندما وقعوا اتفاق أوسلو، والذي اتضح أنه فخ نُصب للفلسطينيين لامتصاص نتائج انتفاضتهم وإثارة الانقسامات في صفوفهم، وتجسدت في إقرار الكنيست الإسرائيلي قانون القومية، الذي يحصر حق تقرير المصير في فلسطين باليهود فقط، وفي منظومة الأبارتهايد العنصرية بكل مكوناتها، التي أصبحت العنوان الحقيقي للسياسة الصهيونية، بعد أن فشلت في استكمال طرد من بقي من الفلسطينيين من أرض وطنهم. ولذلك فإن التعامل الفلسطيني مع جريمة الضم ومع الاحتلال ومنظومة الأبارتهايد، يجب ألا يكون بأي حال تكتيكيا، أو جزئيا، أو أن يسمح لنفسه بالتعلق بأوهام إمكانية التفاوض، أو الحل الوسط، مع منظومة عنصرية متطرفة كالتي يمثلها تحالف نتنياهو- غانتس وحزب العمل.

التعامل الفلسطيني يجب أن يستند إلى إدراك واعٍ، بأننا دخلنا منذ قدوم نتنياهو للسلطة، والتحول الواسع في أوساط الجمهور الإسرائيلي نحو التطرف العنصري، وخصوصا بعد إعلان "صفقة القرن"، في مرحلة مواجهة جديدة مع الحركة الصهيونية، لا يمكن أن تنتهي بدون إسقاط منظومة الأبارتهايد العنصرية وبدون إحداث تغيير استراتيجي في ميزان القوى لمصلحة الشعب الفلسطيني.

مسألة الضم، التي يحاولون تمويهها الآن، فتحت أمامنا كفلسطينيين فرصة لا تعوض لحشد المجتمع الدولي وشعوب الدنيا، ضد العنصرية الإسرائيلية، وذلك بحكم فداحة خرق الضم لكل القوانين الدولية، والنظام الدولي.

وهذه الفرصة يجب أن تتجسد باستنهاض الشعوب العربية للضغط من أجل تبني المقاطعة الشاملة لإسرائيل، ولوأد نشاطات التطبيع المخزية معها، وكذلك لاستنهاض أوسع حملة عالمية لفرض العقوبات والمقاطعة على نظام التمييز العنصري الإسرائيلي، ويساعدنا في ذلك النهوض العالمي الجاري ضد العنصرية. جريمة الضم، وضرورة مواجهته، فتحت كذلك أفقا لإنهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني وتشكيل قيادة وطنية موحدة تتبنى استراتيجية كفاحية، (وليس تكتيكا) تركز على تصعيد المقاومة الشعبية، والمقاطعة، وتعزيز صمود الفلسطينيين على أرض وطنهم. لو لم يكن نتنياهو وحكومته وحليفه ترامب في أزمة وعزلة دولية، لما حاول الإفلات بتحويل الضم الشامل إلى ضم زاحف، ولا يحق لأحد أن يسمح له، بعد اليوم، بالإفلات من المصير المحتوم لكل نظام عنصري.

* الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية