تصنف الدول بشكل عام وفق عدة أسس ومقومات، ولكن من المتعارف عليه دولياﹰ تصنيفها على حسب المساحة أو تعداد السكان، كما تتذيل تلك القائمة مجموعة من الدول المسماة الدول الصغيرة (المتناهية الصغر) التي يصنفها البنك الدولي على أساس تعداد سكان أقل من المئتي ألف نسمة، كما نشدد على غرار ما يحذر منه الصحافي السياسي "تومي كوه" في كتاباته من خلط الأوراق والربط ما بين نجاح اقتصادات الدول وحجمها على الخريطة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن أربع عشرة دولة من دول العالم التي تتصدر قائمة الدول الأغنى هي دول صغيرة، كما ينعكس ذلك وبشكل مباشر على مقياس تطور الفرد والعمالة تباعا في مثل هذه الدول.

تمتاز الدول الصغيرة بعدد من المزايا، خصوصاً تلك التي تتمتع بمستوى عالٍ لدخل الفرد والسمعة الدولية المرموقة لحكوماتها، فهي تستطيع أن ترضي سكانها بأبسط البسيط وأقل القليل، ومن خلال أبواق ﺇعلامية منظمة تستطيع أن "تُلمع" من تشاء من أفرادها لتجعله يبدو أمام العامة أنه "المسيح المخلص" لمنظومة فساد مالي ﺇن وجد (لا سمح الله) وهو في الواقع "المسيخ الدجال"، ولكن يرجى عدم الخلط عزيزي القارئ بين حجم الدولة وعدد سكانها، مع سهولة وسلاسة حكمها والتحكم في منظوماتها الإدارية، ففي زمن "تويتر" والإعلام الحر، يصعب على أي نظام حاكم أن يتحكم بأي تعداد للسكان مهما كان ذاك النظام قوياً ومحكم السيطرة على الأفراد والمؤسسات وصاحب خبرة وحنكة ونظرة بعيدة المدى، لذلك اعتمدت الأنظمة الحاكمة والحكومات المسيطرة على الدول الصغيرة، أسلوب ذر التراب في الأعين أو ﺇلهاء الشعوب بسفاسف الأمور لتصبح حديث مجتمع، بحيث يُصبح المتخصص وغير المبالي هو أكبر الخبراء في مجال القضية المطروحة.

Ad

هذا الأسلوب المتبع وهو ما يسمى أسلوب لعبة اللهاية (Rattle) أو باللهجة العامية "القرقاشة"، ينفع وينفع بفعالية كبيرة جداﹰ، فتجد العوام يتحدثون عن أمور هُم لا سيطرة لهم عليها لا من بعيد ولا من قريب، فالكل يتكلم عن استرجاع أموال عامة مسروقة، وضبط وﺇحضار شخصيات مجتمعية بارزة، أو قانون يحارب الشهادات المزورة، أو نواب آسيويين أو غسل (بالبخار والكي في مصبغة البنوك) للأموال العامة، أو غيرها من المواضيع التي لا تمتّ للواقع بأي صلة من حيث المبدأ، بل قد يأخذ النظام خطوات جادة لخداع الشعوب المسكينة في سن قوانين واتخاذ بعض الإجراءات القانونية تجاه الإصلاح، فقط ليتناسى الناس مع تقادم الأمور لتصبح في حديث الأمس وذكريات قنوات الإنترنت المعارضة.

أسلوب "القرقاشة" له غاية وهدف أساسي وحيد، وهو ﺇلهاء الشعوب والقيادات النظيفة عما يجري في الغرف المغلقة المظلمة، التي لا تستطيع أسلاك وموجات الإنترنت نقل مؤتمراتها عن طريق زووم أو غيره، ولا أن تفصح عن نوايا أصحاب المصالح المتحكمين في جلساتها، ففي مثل تلك الدول يسود الروتين، ويُثاب المتقاعس، ويحارب التطور الرقمي، وتقمع حريات الناس، ويحارب النجاح بأقذر الأساليب والحيل، ليمكنوا المواطن الفقير المسكين من الدخول في سجالات لا صلة له بواقعها أساساﹰ، فتجد الجميع يتكلم عن سرقات واختلاسات في المال العام وهم دون دراية بأصل الموضوع.

وتجد من يُفتي بما هو مفيد للبيئة (أو طارد للكورونا) وصاحب الشأن يستغرب من المعلومات الخطأ التي تَمثل أمامه في وسائل التواصل الاجتماعي.

ملحوظة للجميع، أي تطابق ما بين المقال وواقعنا الذي نعيش، هو غير مقصود فأنا أتكلم عن شعب جمهورية "ﺇقليم شمال سوارستوتان الديمقراطية الشعبية"!!