لم يعد لدى الحكومة الجديدة في العراق خيارات كثيرة للتعامل مع انهيار أسواق النفط وعجز الموازنة سوى مراجعة عميقة لخريطة الإنفاق المالي، التي برزت فيها لأول وهلة هبات وعطايا وامتيازات تخص عشرات الآلاف من مؤيدي التيار الإسلامي في البلاد، تثقل الموازنة بمرتبات كبيرة وتكشف نقص العدالة في توزيع الثروة.

وأعلن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، الذي يحاول التقرب من أجواء احتجاجات أكتوبر الإصلاحية، حزمة قرارات تفيد بإلغاء الامتيازات المذكورة التي تخص عشرات الآلاف من معارضي نظام صدام حسين، سواء من المعتقلين أو الضحايا أو النازحين إلى دول الجوار، لأن المال العام لم يعد يتحمل إنفاقاً كبيراً، والإبقاء فقط على الفئة التي تتسلم مرتباً واحداً من الدولة، ملغياً بذلك صرف مرتبات عديدة لعائلة واحدة أحياناً بامتياز معارضتها للنظام الصدامي.

Ad

لكن ردود الأفعال توالت ضد هذا القرار، مما دفع الكاظمي إلى التمسك به أكثر، مشيراً إلى أن ملايين العراقيين يعيشون تحت خط الفقر، وقد عانوا بسبب سياسات النظام السابق منذ التسعينيات أسوة بغيرهم من المعارضين.

وفي أبرز ردود الأفعال ضد الكاظمي، قال رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي إن أي تغيير في وضع الامتيازات المالية لسجناء النظام السابق أو النازحين إلى دول الجوار، يمثل سقوطاً للنظام السياسي، لأن ذلك نظامهم كمعارضين لنهج صدام حسين.

ورد المؤيدون للحكومة الجديدة بأن المطلوب هو إقامة دولة المواطنة المعارضة لنهج صدام ونهج الفاسدين الذين هيمنوا أحياناً على مفاصل مهمة في الحكومات اللاحقة، سواء كانوا معارضين لصدام أو لغيره.

وتزامن ذلك مع عودة طوعية لنائب رئيس الوزراء الأسبق السياسي السني البارز رافع العيساوي، إلى بغداد مع ضمانات بمواجهة إعادة محاكمة عادلة، بعد أن جرى تجريمه بقضايا إرهابية وصفت بالكيدية في عهد نوري المالكي.

ويبدو أن الصفقة تتضمن مصالحات ضمن مشروع عدالة انتقالية يتبناه الكاظمي، حسبما أشار المتحدث باسمه هشام داود غير مرة، وقد تشمل أسماء مثيرة للجدل مثل طارق الهاشمي نائب الرئيس الأسبق، وأثيل النجيفي محافظ الموصل السابق.

وفتح الأمر شكوى وتكهنات بأن أنصار الأحزاب الإسلامية الشيعية يتعرضون لسلب امتيازاتهم، في وقت يجري التصالح مع شخصيات سنية واجهت أحكاماً تصل إلى الإعدام.

غير أن الكاظمي الذي يواجه ضغوطاً عديدة يجد نفسه ملزماً أمام الجمهور بالقيام بإصلاحات تقلل الفوارق الطبقية وفي المرتبات من جهة، وتتصالح مع رموز المجتمع السني الذين دفعوا ثمن الاحتقان الطائفي قبل عام 2014 خصوصاً، بالتوازي مع دعم الحوار مع حكومة إقليم كردستان شمالاً، والنظر في مطالب حركة الاحتجاج الواسعة التي تتركز في مناطق الأغلبية الشيعية جنوب البلاد.

ويحاول المتضررون من قرارات الكاظمي تنظيم احتجاجات بدت عنيفة أحياناً، وقد ينخرطون في مظاهرات الصيف الساخن، مما جعل أنصار حركة أكتوبر الاحتجاجية تطلق تحذيرات من ركوب جهات سياسية لموجة الإصلاح.