انتعشت أسعار النفط خلال الأسبوع الثالث من يونيو الجاري، واستقرت عند مستوى 40 دولارا تقريباً، بعد أن قررت "أوبك" وحلفاؤها تمديد اتفاقية خفض حصص إنتاج النفط لشهر إضافي حتى يوليو المقبل. كما اختتمت فعاليات اجتماع "أوبك" وحلفائها الأسبوع الماضي بتحديد حصص كل من الدول المنتجة، خاصة العراق، واستهدف الاجتماع أيضاً طمأنة المنتجين الآخرين بالالتزام التام ببنود الاتفاق. ومن المقرر أن يساهم ذلك في توفير المزيد من الدعم للأسعار. وفي ذات الوقت، أشارت بعض البيانات إلى انتعاش الطلب في سوق النفط خلال الفترة المتبقية من العام الحالي، مما ساهم أيضاً في تعزيز الأسعار.

وحسب تقرير صادر عن شركة كامكو إنفست، تأتي عودة الطلب في ظل تباطؤ عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19) في معظم أنحاء العالم خلال الأسابيع القليلة الماضية، وذلك على الرغم من الأنباء الأخيرة التي أشارت إلى ظهور موجة ثانية من تفشي الفيروس في الولايات المتحدة والصين، مما أثار مخاوف بشأن نمو الطلب على النفط. وخلال الأسبوع الماضي، أعادت بكين فرض الحظر في أجزاء عديدة من المدينة التي أذيع، فيما بعد، أنه قد تم احتواؤها، وصدرت تقارير تفيد بانتهاء ذروة الموجة الثانية، وإن كان من المتوقع ظهور حالات جديدة متفرقة. كما أن اكتشاف فعالية دواء موجود بالفعل على نطاق واسع يمكن أن يزيد من معدلات النجاة من المرض، مما ساهم في تعزيز آمال احتواء الجائحة.

Ad

وأشارت بعض المؤشرات الى انتعاش الطلب في الولايات المتحدة وكذلك أسواق النفط الرئيسية الأخرى، وذلك على الرغم من أن الطلب لا يزال أقل بكثير من متوسط السنوات الـ5. أما فيما يتعلق بالفئات المختلفة من المنتجات النفطية، فقد أظهر أحدث تقرير أسبوعي صادر عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية تراجع مخزونات الديزل للمرة الأولى في 11 أسبوعاً، مما يشير إلى عودة نشاط الاقتصاد الأميركي. كما أن استهلاك البنزين آخذ في الارتفاع، وعلى الرغم من أن بعض شركات الطيران قد استأنفت أعمالها، فإنه من المتوقع أن يتأخر تعافي الطلب على وقود الطائرات، حتى يتم إعادة تشغيل القطاع مرة أخرى، مع رفع كامل لعمليات الإغلاق. وأشارت بعض التقارير الأخرى إلى استمرار ارتفاع مخزونات النفط، وإن كانت زيادة الاستهلاك في كل أنحاء العالم أدت لرفع معدلات تشغيل مصافي التكرير، خاصة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وكذلك في غالبية الدول التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

من جهة أخرى، أكدت وكالة أوبك، في تقريرها الشهري الأخير، الى أن الطلب سيظل ضعيفاً خلال النصف الثاني من العام، على الرغم من الانتعاش التدريجي للاقتصاد، مما سيؤدي إلى استمرار الفائض في الأسواق. ونتيجة لذلك، لم تغير "أوبك" توقعاتها للطلب للعام الحالي، بينما رفعت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها للطلب بمقدار 0.5 مليون برميل يومياً لـ2020.

أما على صعيد العرض، فقد بلغ إنتاج "أوبك" من النفط أدنى مستوياته المسجلة منذ 18 عاما، بعد تراجعه بواقع 5.84 ملايين برميل يومياً خلال شهر مايو الماضي، ليصل إلى 24.6 مليون برميل يومياً. ويعزى هذا الانخفاض إلى خفض حصص الإنتاج وفقاً لاتفاقية "أوبك" وحلفائها. وقد دفع ذلك أيضا الطاقة الاحتياطية لـ "أوبك" لتصل إلى ما يقارب 10 ملايين برميل يومياً، فيما يعد أعلى المعدلات المسجلة. ووفقاً لحساباتنا، يمكن استخدام حوالي 6.6 ملايين برميل يومياً من الطاقة الإنتاجية المتوافرة سريعاً في حالة عدم الالتزام بالتخفيضات الطوعية. ووفقاً للتقارير، أدى خفض حصص الإنتاج في مايو الماضي إلى بلوغ معدل الامتثال من قبل مجموعة أوبك وحلفائها إلى ما يقرب من 87 في المئة. كما قامت "أوبك" أيضا بمراجعة توقعاتها لمستويات العرض للنصف الثاني من العام الحالي للمنتجين من خارج المنظمة ورفعتها بمقدار 0.3 مليون برميل يومياً، وتتوقع الآن انخفاض الإنتاج بمقدار 4.3 مليارات برميل يومياً مقارنة بمستويات النصف الأول من العام.

الاتجاهات الشهرية للأسعار

تم تداول أسعار عقود النفط الفورية عند أعلى مستوياتها المسجلة في 3 أشهر، متخطية مستوى 40 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ الأسبوع الأول من مارس الماضي. كما ارتفعت أسعار العقود الفورية لمزيج خام برنت لتصل إلى 41.18 دولارا للبرميل خلال الأسبوع الثاني من يونيو 2020، بعد أن قررت "أوبك" وحلفاؤها تمديد اتفاقية خفض الإنتاج الاستثنائية لشهر إضافي حتى يوليو المقبل. كما انتقل منحنى الأسعار في سوق النفط إلى وضع "المنحنى المنحدر" للمرة الأولى منذ مارس 2020، مما يشير إلى زيادة الإمدادات، بعد أن تعهّد عدد من منتجي "أوبك" بالوصول إلى مستويات الامتثال، وفقاً لبنود اتفاقية خفض الإنتاج. ووفقاً للأنباء الواردة، فقد تمت السيطرة على مشاكل تراكم النفط والتخزين في الناقلات العائمة. من جهة أخرى، أظهر مخزون النفط الخام في الولايات المتحدة انخفاضاً هامشياً في مايو الماضي، إلا أنه ارتفع مجدداً خلال يونيو، مما يعكس الأعداد الهائلة من ناقلات النفط التي تم شحنها عندما انخفضت الأسعار إلى أدنى المستويات المسجلة منذ عقود. كما اتضح ذلك أيضاً من انخفاض أسعار استئجار ناقلات النفط، التي كانت قد شهدت ارتفاعاً إلى مستويات قياسية خلال شهري مارس وأبريل من العام الحالي، حيث انخفضت أسعار نقل النفط الخام من الشرق الأوسط إلى الصين إلى حوالي ربع قيمتها.

الطلب على النفط

أبقت "أوبك" على توقعاتها الخاصة بانخفاض نمو الطلب في العام الحالي دون تغيير مقارنة بمستويات الشهر الماضي عند مستوى 9.1 ملايين برميل يومياً، حيث يتوقع أن يبلغ متوسط الطلب العالمي على النفط 90.6 مليون برميل يومياً. ومن المتوقع أن ينخفض الطلب على النفط بمقدار 5.2 ملايين برميل يومياً في منطقة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فيما يعزى بصفة رئيسية إلى تراجع معدلات استهلاك قطاع النقل خلال الربع الثاني من العام الحالي. أما بالنسبة للدول غير الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فمن المتوقع أن ينخفض الطلب بمقدار 3.9 ملايين برميل يومياً، حيث يتوقع أن تشهد كافة أسواق النفط الرئيسية انخفاضاً حاداً في الطلب. وأشارت وكالة الطاقة الدولية، ضمن أحدث تقاريرها الشهرية، إلى أن انخفاض الطلب خلال النصف الأول من العام كان أقل حدة مما كان متوقعاً، ورفعت توقعات الطلب للربع الثاني من العام بمقدار 2.1 مليون برميل يومياً. ومن المتوقع أن يصل معدل التراجع للعام بأكمله 8.1 ملايين برميل يومياً للعام الحالي، وفقاً لتوقعات وكالة الطاقة الدولية، مقابل تراجع بمقدار 8.6 ملايين برميل يومياً، وفقاً لتقريرها السابق.

ووفقا للتقارير، كان انتعاش الطلب على النفط هو الأقوى في الصين، حيث وصل إلى حوالي 90 في المئة تقريباً من المستويات التي تم تسجيلها قبل أزمة "كوفيد-19". وقامت الصين باستيراد كمية قياسية من النفط بلغت 11.34 مليون برميل يوميا في مايو الماضي. وارتفعت أنشطة مصافي التكرير في البلاد إلى حوالي 76 في المئة مقابل تباطؤ طاقتها الإنتاجية إلى 42 في المئة في فبراير 2020، حيث تسعى المصافي جاهدة لتلبية الطلب المتزايد على الوقود.

وفي الهند، شهد الطلب على النفط انتعاشاً بطيئا في مايو، إلا أن بيانات النصف الأول من يونيو تشير إلى أن الاستهلاك وصل إلى ما بين 80 و85 في المئة من المستويات المسجلة قبل الجائحة. وأعلنت الدولة أخيراً عن خطط لمضاعفة طاقتها الإنتاجية لتكرير النفط لتلبية الطلب المحلي المتزايد وتصدير المنتجات المكررة.

أما بالنسبة لعام 2021، أظهرت بيانات وكالة الطاقة الدولية انتعاش الطلب بواقع 5.7 ملايين برميل يومياً من مستويات 2020 ليصل إلى 94.7 مليون برميل يومياً. وذكرت الوكالة أن الطلب سيتأثر على المدى القريب بانخفاض الطلب على وقود الطائرات والكيروسين، بما يعكس انخفاض الاستهلاك في قطاع الطيران. وأظهرت بيانات اتحاد النقل الجوي الدولي (إياتا) أن حجم حركة الركاب الدولية في العام الحالي سينخفض بنسبة 55 في المئة تقريبا على أساس سنوي. وسيؤدي ذلك الوضع، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، إلى انخفاض الطلب على النفط بمقدار 3 ملايين برميل يومياً في العام الحالي، والذي يتوقع تعافيه بمقدار 1 مليون برميل يومياً في عام 2021.

إنتاج «أوبك»

بعد أن شهد إنتاج «أوبك» أحد أكبر معدلات نمو الإنتاج الشهري في أبريل الماضي، اتخذ اتجاها معاكساً في مايو، ليظهر أحد أكثر الانخفاضات الشهرية حدة بمقدار 5.84 ملايين برميل يومياً، ليصل بذلك إلى أدنى مستويات الإنتاج الشهرية منذ 18-سنة عند مستوى 24.6 مليون برميل يومياً، وفقا لبيانات وكالة بلومبرغ.

وأظهرت مصادر «أوبك» الثانوية انخفاضا أكثر حدة قدره 6.3 ملايين برميل يوميا، ليصل معدل الإنتاج إلى 24.2 مليون برميل يوميا خلال مايو 2020، بما يسلّط الأضواء على انخفاض الإنتاج من جانب كل منتجي المجموعة.

وجاءت السعودية في الصدارة باستحواذها على 50 في المئة من خفض حصص الإنتاج بتراجع 2.9 مليون برميل يومياً، حيث بلغ معدل إنتاجها 8.7 ملايين برميل يومياً خلال الشهر، فيما يعد أدنى مستويات الإنتاج المسجلة منذ سبتمبر 2019. كما خفضت كل من الإمارات والعراق والكويت إنتاجها خلال الشهر، وإلى جانب السعودية، شكّل المنتجون الأربعة ما يقارب حوالي 90 في المئة من خفض حصص الإنتاج.