یبدأ تقریر "داودینغ"، الذي شرحنا في المقال السابق حیثیاته وزمنه وأسباب إعداده، بمقدمة قصیرة یتطرق فیها كاتبه وهو الضابط في الاستخبارات البریطانیة هنري داودینغ إلى اسم الكویت فیقول: "إن اسم الكویت، أو بالأحرى الاسم البدیل لـ "القرین"، برز إلى الوجود بالنسبة للقراء الإنكلیز عندما اقترحت أن تكون المحطة النهائیة لمشروع خط السكك الحدیدیة لوادي الفرات الذي تقدّم به الجنرال تشسني (General Chesney)، كما ظهر مرة أخرى بشكل أحدث كمحطة نهائیة لمشروع خط السكك الحدیدیة الألماني من القسطنطینیة إلى بغداد". وأعتقد أن الضابط البریطاني مصیب في رأیه الذي أمامكم، ولكن ذلك لا یعني عدم وجود اسم الكویت قبل ذلك، أو عدم تداوله في المناطق المجاورة في الجزيرة العربية والمناطق المحیطة بها. إن ما عناه داودینغ هو القول بأن عامة الناس في بریطانیا والدول الأوروبية لم تكن على درایة أو معرفة باسم الكویت قبل نهایة القرن العشرین، رغم أن حكومة بریطانیا ودولاً أخرى أوروبیة كهولندا والبرتغال وفرنسا وروسیا، كانت على تواصل محدود مع شیوخ الكویت منذ نهایة القرن الثامن عشر على أقل تقدیر. ولا أرید هنا أن أستطرد في هذا الأمر، وذلك لضیق المجال، ولكن یكفي أن أشیر إلى حقائق قلیلة تؤكد هذا الأمر أوّلها توقیع بریطانیا لاتفاقیة هدنة بحریة مع الشیخ صباح بن جابر نیابة عن والده الشیخ جابر بن عبدالله بن صباح الأول عام 1841. وتنصّ هذه الاتفاقیة، التي لا تتجاوز صفحاتها صفحة واحدة، على تعهّد شیخ الكویت على عدم الاعتداء على سفن المشیخات الأخرى في الخلیج لمدة عام من توقیع الهدنة، وأنّه إذا وقع اعتداء على سفن كویتیة من قبائل تعیش على ساحل الخلیج، فإن على شیخ الكویت عدم الرد على العدوان، بل علیه رفع الأمر إلى المقیم البریطاني في الخلیج لاتخاذ الموقف المناسب بعد التحقيق في المسألة. ویؤكد النقیب داودينغ هذه الحقیقة بنفسه، فیشیر إلى حادثة أخرى أسبق من ذلك، وهي مسألة انتقال مقر المقیم البریطاني في البصرة إلى الكویت لمدة قصیرة، فیقول "في عام 1823-1821 ولمدة قصیرة انتقل مقر المقیم البریطاني في البصرة إلى الكویت (بسبب التصرفات المشینة للباشا في بغداد، أنها) أي الكویت، المكان الوحید الذي له أهمیة على الساحل العربي من الفاو إلى القطیف". وقضیة انتقال الوكالة البریطانیة من البصرة إلى الكویت وثّقها أیضاً بعض الباحثین والمؤرخین الكویتیین، حیث شرحوا تفاصیلها وأسبابها. ومن الحقائق الأخرى الدالة على التواصل البریطاني - الكویتي القدیم زیارة المقیم البریطاني في الخلیج لویس بیلي للكویت عام 1863 التي وثّقها في یومیاته كاتب المعتمدیة البریطانیة حاجي أحمد المنشي. وقد تناولت خلال عام 2014 في سلسلة من المقالات التفاصیل التي أوردها المنشي أحمد والمرتبطة بالرحلة ومحطاتها وتفاصیل اللقاءات في الكویت وغیر ذلك. في المقال المقبل نكمل استعراضنا لتقرير الضابط داودینغ الذي كتبه بعد زیارة للكویت عام 1903.

Ad