الكتابة ملجأ وملاذ، فهي تقيك ذل الشكوى والسؤال وتململ «المستمعين» المتظاهرين بالاستماع، فلن يفهم أحدٌ آلامك كما يفهمها ذاك الورق الأصم الذي نبث فيه الحياة بأقلامنا، غضبك الآسن وحممه الملتهبة في جوفك لن تطفئهما مواجهة الجاهل ومجادلته، فهو دائم الإنكار كثير التهجم والمقاطعة، لذا فلا رفيق أفضل من حضن الورق، ففي الكتابة علاج وتفريغ الأفكار على الكرّاس يطفئ نار الغضب ويشعل نور العقل. جربوها! فليس لديكم ما تخسروه. إن الكتابة هي إعادة ترتيب لأفكارنا وصقلها، وتعبير عن أعمق ما في وجداننا، وسواء أكانت كتابتك تعبيراً محضاً أو تحليلاً لواقع أو نسجاً من خيال فالكتابة في كل حالاتها دواء للقلب وصفاء للذهن، فالكتابة تطوير حقيقي للذات.

ولا كتابة دون قراءة؛ ذلك هو الخطأ الشائع الذي يقع فيه العديد من الكُتّاب، لا سيما من جيل الشباب، فتصبح كتاباتهم ضحلة ركيكة، مُتخمة بالأخطاء الإملائية وتعاني ضعف المحتوى، المشكلة هنا تكمن في عدم التفريق بين المعلومات information والمعرفة knowledge، فالقراءة ليست «حشواً» كما يظن البعض بُهتاناً، بل هي حوار بين القارئ والكاتب، نجد أثره في تلك الخطوط والملاحظات على وجه صفحات الكتاب وأوراقه المثنية، أما المعرفة الحقة فهي تراكم للمعارف من تجارب مقروءة وملموسة تظفر بها الأرواح المغامرة، ويا لندرتها في عالم تُقيّده التقاليد البالية والصور النمطية! أما المعرفة فلا بد من أخذ الوقت اللازم «لهضم» المعلومات كي تتحول إلى معارف، وربط هذه المعلومات معاً بصيغٍ جديدة في أذهاننا وتكوين وجهة نظر غنية مبنية على أسس علمية ومنطقية متينة، فهذا ما يخلق التفكير الإبداعي.

Ad

أما المعلومات فنحن نتعرض لسيلٍ هائل منها يومياً عن طريق الهاتف الذكي و«السوشال ميديا»، والكثير منها سطحي وعشوائي، بل خاطئ تماماً، فهذه الصور ومقاطع الفيديو تعتمد على استفزاز الحواس وتأجيج المشاعر بالصوت العالي والصورة الصارخة، فبالإضافة إلى المخاطر الصحية لإدمانها هي تضعف القدرة على التحليل والتفكير التجريدي وسط كل هذه الضوضاء الحسية.

إذاً فاستسلم لحضن الورق، وأبحر بين دفتي كتاب، فلا وقت أفضل من الآن كي نغوص في عوالم الأدب والفلسفة والعلوم ونحن نمتلك هذا المتسع الشاسع من الوقت تحت ظل الأزمة الحالية، انسج من أحزانك أشعاراً وحول آلامك نثراً، فذلك خيرٌ من السلبية والصراخ أمام شاشة الهاتف الذكي الذي صنع منا حمقى متهورين! فدعونا نبث في تلك الأوراق... حياة.

• «كلما ازدادت جزيرة المعرفة اتساعاً، ازدادت شواطئ التعجب امتداداً».

(بيرسيفال لويل)