ألمحت أديس أبابا إلى استعدادها للدخول في صراع مسلح مع تواصل تعثر مفاوضاتها مع مصر والسودان بشأن سد النهضة الذي تبنيه على الرافد الرئيسي لنهر النيل عشية عقد وزراء المياه في مصر والسودان وإثيوبيا، اجتماعهم الأخير، عبر تقنية "الفيديو كونفيرانس" أمس، بحضور مراقبين من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وجنوب إفريقيا، بعد ثلاثة أيام من المباحثات الفاشلة.

ولم تنجح جولات التفاوض الأسبوع الماضي في حلحلة الأزمة فظلت تراوح مكانها، إذ قالت وزارة الري المصرية، في بيان لها مساء الخميس الماضي، إنها أعربت مع الخرطوم عن تحفظها على الورقة الإثيوبية التي تتضمن رؤية أديس أبابا حول أسلوب ملء وتشغيل السد، لأنها "تمثل تراجعاً كاملاً عن المبادئ والقواعد التي سبق وأن توافقت عليها الدول الثلاث في المفاوضات التي جرت بمشاركة ورعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي".

Ad

مصر أكدت تمسكها بالاتفاق الذي انتهى إليه مسار المفاوضات التي أجريت في واشنطن وانتهت باتفاق لم توقع عليه إلا مصر في حين انسحبت إثيوبيا من المفاوضات نهاية فبراير الماضي، وقالت "الري" المصرية، إن الاتفاق الذي أعدته وزارة الخزانة الأميركية كان "منصفاً ومتوازناً" ويمكن إثيوبيا من تحقيق أهدافها التنموية مع الحفاظ على حقوق دولتي المصب.

ودعت القاهرة أديس أبابا إلى ضرورة مراجعة موقفها الذي يعرقل إمكانية التوصل لاتفاق، كما شددت على أن تمتنع إثيوبيا عن اتخاذ أي إجراءات أحادية بالمخالفة لالتزاماتها القانونية، في إشارة إلى نيتها بدء ملء خزان السد في يوليو المقبل بغض النظر عن الاتفاق مع دولتي المصب من عدمه، وحذرت مصر صراحة من أن نهج إثيوبيا الأحادي "قد يؤدي إلى تأزيم الوضع في المنطقة برمتها".

وسبق أن تقدم الجانب الإثيوبي بورقة من 13 بنداً تتضمن رؤية مخالفة للموقف المصري، إذ تحدث عن ضرورة أن تكون وثيقة العمل الخاصة بالفرق القانونية والفنية للدول الثلاث "خلال اجتماع 12 و13 فبراير الماضي، أساس التفاوض، في تجاهل للاتفاقية التي أعدتها الإدارة الأميركية ووقعتها مصر في نهاية فبراير، كما طالبت أديس أبابا ببدء المفاوضات من جديد بشأن وقواعد ملء السد والتشغيل السنوي له، فضلاً عن مهاجمة مصر لتقدمها بخطب لمجلس الأمن الدولي ضد إثيوبيا.

تصعيد اللهجة الإثيوبية جاء بعد تعثر المفاوضات الأخيرة، فضلاً عن رفض مصر والسودان في 12 مايو الماضي، لمقترح سابق من إثيوبيا للتوقيع على اتفاق جزئي للبدء بملء بحيرة السد، فضلاً عن تقدم مصر بخطاب إلى مجلس الأمن، وهي الخطوة التي ردت عليها إثيوبيا بخطاب مضاد، ليتقدم بعدها السودان بخطابها الذي طالبت فيه مجلس الأمن

بـ "حث جميع الأطراف على الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات أحادية قد تؤثر على الأمن والسلم الإقليمي".

تصعيد عسكري

وبدا واضحا لهجة التصعيد الإثيوبي التي وصلت إلى حافة التلويح بالحرب، إذ قال نائب رئيس أركان الجيش الإثيوبي، برهانو جولا، مساء أمس الأول، إن "بلاده ستدافع عن مصالحها حتى النهاية في سد النهضة". واتهم المسؤول الأثيوبي القاهرة باستخدام أسلحتها لتهديد الدول الأخرى، وقال إن مصر تتبنى وجهات نظر مشوهة وتهدد أديس أبابا لأن الأخيرة تريد استخدام مياه النيل بشكل عادل، على حد زعمه.

وزعم المسؤول العسكري أن إثيوبيا لن تتفاوض بشأن سيادتها، و"أن مصر لا تعرف أن الشعب الإثيوبي شعب بطولي، لا يخاف الموت، ويعلم المصريون وبقية العامل جيداً كيف يمكننا إدارة الحرب كلما حان وقتها"، متحدثاً عن أن "جميع مفاتيح النصر في أيدي الإثيوبيين"، قائلاً إن بلده تسعى للحصول على الكهرباء: "في القرن الحادي والعشرين، لا يحصل 50 في المئة من الإثيوبيين على الكهرباء، بينما يتمتع 98 في المئة من الإخوة المصريين بها".

تقييم مصري

في غضون ذلك، وبينما ساد غضب مكتوم دوائر صنع القرار المصري بسبب التعنت الإثيوبي المستمر، قيم عدد من الخبراء المصريين في ملف النيل، الأزمة بعد التطورات الأخيرة، إذ قال مستشار وزير الري المصري الأسبق والخبير الدولي في شؤون المياه، ضياء القوصي، لـ "الجريدة": "الموقف الإثيوبي المتعنت مرفوض تماماً، لأنه يقوم على مبدأ سياسة حافة الهاوية، فإما الاستسلام للمطالب الإثيوبية أو المواجهة، وهو ما يكشف عن عدم رغبة إثيوبيا في حل الأزمة، في المقابل مصر لن تقبل هذا الوضع".

وتابع القوصي: "التصريحات التصعيدية والملوحة بالحرب الهدف الرئيسي منها هو تقوية موقف رئيس الوزراء آبي أحمد الذي يواجه مشاكل داخلية معقدة".

بدوره، قال وزير الري الأسبق محمد نصر علام، إن إثيوبيا قدمت وثيقة مختلفة تماماً عن كل ما تم الاتفاق عليه خلال مفاوضات واشنطن، فيما يخص مسألة ملء خزان سد النهضة وعملية تشغليه، ليكون لإثيوبيا الحق الوحيد في تحديد كمية المياه المنصرفة والتي تمر من السد دون استشارة مصر والسودان". وأشار علام إلى أن المفاوض المصري لن يستسلم ولن يرضخ للمراوغات الإثيوبية.

سلاح إيطالي

في غضون ذلك، وفي وقت تتزايد الأزمات من حول الحدود المصرية، بدا أن القاهرة تواصل عملية التحديث الشامل لقواتها المسلحة، إذ نقلت صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية عن مصادرها اعتزام حكومة جوزيبي كونتي الموافقة على صفقة عسكرية ضخمة مع مصر، تشمل بيع فرقاطتين بقيمة 1.2 مليار يورو، مع إمكانية توسيع الصفقة لتشمل أربع فرقاطات إضافية، وعشرين وحدة بحرية أخرى وطائرات مقاتلة.