بعد محاولة ضرب الاحتجاجات في لبنان الأسبوع الماضي من خلال إيقاظ أشباح الحرب الأهلية والصراع المذهبي، بذريعة مطالبة مجموعات من المحتجين بنزع سلاح حزب الله وتعرّضهم لأمينه العام حسن نصرالله، بدا أن مشهد الشغب في وسط بيروت ليل الجمعة - السبت وإحراق وتخريب المحال التجارية التي يملكها مواطنون عاديون، هو رسالة تهديد من المرسل نفسه الى العنوان نفسه والمضمون نفسه، والهدف ضرب التظاهرات بنفس أسلوبها، أي من خلال المشاركة في التجمعات والسطو عليها وتحويل أهدافها لخدمة طرف سياسي بعينه، يحاول حماية نفسه والتقليل من ضرر العقوبات الأميركية عليه، حتى لو أدى ذلك الى تهشيم آخر أعمدة الدولة.

وقال مراقبون لـ "الجريدة" إن بصمات حزب الله حاضرة على ما جرى في وسط بيروت، فمن جهة يريد مواصلة الضغط على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى ما بعد موعد "ضخ الدولار"، ومن جهة أخرى يريد الحزب القول للقوى السياسية المعارضة للحكومة والتي بدأت تنخرط مجدداً بالاحتجاجات، إن الضغط على الحكومة في الشارع ممنوع، وإن الحزب سيزايد على الشارع نوعاً وكماً في حال دعت الحاجة.

Ad

الوضع الميداني

بعد ليلة عنيفة من الاحتجاجات، ساد هدوء حذر في العاصمة بيروت ومعظم المناطق اللبنانية، أمس.

وفي التفاصيل، ورغم قرار ضخ الدولار في السوق، شهد وسط بيروت التجاري، مساء، أعمال شغب عنيفة، تخللها تحطيم واجهات المحال التجارية وبعض المصارف وحرقها في شارعي رياض الصلح والعازارية.

وبعد مسيرة سلمية، حضر عشرات الشبان يعتقد انهم مناصرون لحزب الله وحركة أمل على الدراجات النارية، وافتعلوا أعمال شغب، وتحطيما للمباني وأضرموا النار في عدد من المتاجر، قبل تفريقهم بالغاز المسيل للدموع.

في المقابل، شهدت مدينة طرابلس الشمالية مساء أمس الأول مواجهات عنيفة، حطم المحتجون خلالها واجهات المحال التجارية والمؤسسات العامة والخاصة والمصارف، وأضرموا النيران ببعضها وبحاويات النفايات.

وألقى متظاهرون حجارة وقنابل مولوتوف على الجنود، الذين ردّوا بإطلاق الغاز المسيل للدموع إلى بعد منتصف الليل حيث تمكنت عناصر الجيش من استعادة السيطرة وإلزام المحتجين بالتراجع إلى عمق الشوارع الداخلية.

وعمد الجيش إلى فتح معظم الطرق التي قطعها المحتجون، حيث شهدت الشوارع صباح أمس حركة سير خفيفة، في حين فتحت معظم المحال التجارية أبوابها، وسط هدوء حذر.

الحريري

وأمس، تفقّد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الأضرار التي لحقت بالمحال التجارية والأملاك العامة والخاصة في وسط بيروت.

واعتبر "أنّ الذين نظّموا ونفذوا هجمات التكسير والتخريب والحرق في بيروت لا يملكون ذرّة من أهداف الثورة وقيمها"، مشيرا إلى انهم "مجموعات مضللة تنجرف وراء مخطط ملعون يسعى الى الفتنة ولمزيد من الانهيار". وأضاف: "لأهل الحكم والحكومة ورعاة الدراجات النارية نقول، بيروت ليست مكسر عصا لأحد، لا تجبروا الناس على حماية أملاكهم وأرزاقهم بأنفسهم. المسؤولية عندكم من أعلى الهرم الى أدناه، ونحن لن نقف متفرجين على تخريب العاصمة".

بدوره، أعرب مفتي ​الجمهورية​ ​الشيخ عبداللطيف دريان​ عن إدانته واستنكاره وغضبه "مما قام به المخربون في العاصمة ​بيروت​ الذين ينبغي أن يلاحقوا ويلقى القبض عليهم ويحالوا على ​القضاء​ المختص، ليحاسبوا ويعاقبوا ويكونوا عبرة لغيرهم، وإلا يكون الكلام لا قيمة له بعد الآن"، محملاً ​"الدولة​ مسؤولية ما حصل". وقال "إن غابت الدولة عن القيام بمهامها سادت شريعة الغاب التي لا يرتضيها عاقل، ولن نسكت بعد الآن عن مثل هذه الأعمال المنافية للأخلاق الإنسانية والمخلة ب​الأمن"​.

كما غرد وزير الصناعة عماد حب الله على "تويتر" قائلاً: "ما حدث في بيروت وغيرها من المناطق إجرام وتخريب وترهيب".

سلامة

في غضون ذلك، أشارت معلومات صحافية، أمس، الى أنّ إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة "كانت فكرة جديّة طُرحت ليل الخميس - الجمعة في السرايا الحكومية. وكان رئيس الحكومة حسان دياب متحمساً لها، وعلى هذا الأساس قرّر عقد جلستين لمجلس الوزراء، إلّا انّه تراجع عن ذلك، بعد دعوة من بعض المستويات الرئاسية الى التروي وعدم التسرّع في اتخاذ أيّ قرار أو الإقدام على أي خطوة غير مدروسة من شأنها ان تترك مفاعيل سلبية على الواقع المالي في لبنان، وتحقق ما يريده مفتعلو ازمة الدولار الخميس، فضلا عن أنها تزيد من تدهور الوضع بدل معالجته".

سحب فكرة إقالة سلامة توجت بإعلان رئيس مجلس النواب نبيه بري أمس الأول "نحن بحاجة الى كل الناس"، نافياً من القصر الرئاسي أيّ توجّه "للاستغناء" عن سلامة الذي ظهر مع الرئيس ميشال عون ودياب في وقت سابق خلال أداء نواب حاكم مصرف لبنان الـ4 قسم اليمين.

وانعكس الصراع في صحيفة "الأخبار" المقرّبة من "حزب الله" التي كانت عنونت على صفحتها الأولى "رياض سلامة... اللعبة انتهت"، لتعود أمس وتعنون "سلامة: أنا أو لا ليرة".

وجاءت هذه المواجهات رغم تعهّد السلطات، ضخّ مزيد من العملة الأميركية في السوق لِلجم الانهيار غير المسبوق للّيرة التي تقترب من خسارة نحو 70 بالمئة من قيمتها.

وتخوّف مراقبون ماليون من انخفاض الاحتياطي الأجنبي في المصرف المركزي جراء قرار تأمين الدولار من احتياطه لتلبية حاجة الصرافين ومن دون سقف، وذلك بعدما تمّ التوصل الى اتفاق على أن يضخ ​البنك المركزي​ 30 مليون دولار، يمكن ان تخدم الصيارفة لمدة أسبوع، على اعتبار أنّ حاجة الاستيراد تبلغ 6 ملايين دولار يومياً.

جعجع

واعتبر رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع، أن "لجم تدهور سعر صرف الليرة لا يكون بخسارة مزيد من الدولارات من المصرف المركزي، والتي أغلب الظن ستذهب إلى سورية". وأضاف: "لجم سعر صرف الليرة له حلّ واحد فقط لا غير: الإصلاحات ثم الإصلاحات ثم الإصلاحات، بدءاً من المعابر غير الشرعيّة بين لبنان وسورية، وليس انتهاءً بملف الكهرباء الذي يشكل نزفاً يومياً وكبيراً للدولارات في لبنان".

وأشار عضو تكتل "​الجمهورية القوية"​ النائب ​أنطوان حبشي​ إلى أن "السيطرة على سعر الصرف بضخ ​الدولار​ في السوق، حل آني وعلى حساب ​الشعب اللبناني​"، مضيفا أن "أي حل من هذا النوع يعني اللجوء الى الاحتياطي الإلزامي للمودعين".

كذلك تسود مخاوف من أن ضخ الدولار قد "يفرمل" اندفاعة الدولار، إلا أنه ستكون بمنزلة إبر مخدّرة لتهدئة غضب الشارع ينتهي مفعولها بعد أن تختفي الدولارات، ليعود بعدها الدولار إلى الارتفاع مجدداً، الأمر الذي يعني استنزاف احتياطي العملة الصعبة.