الإنتاج الغذائي هو أكبر مستهلك للمياه في جميع دول العالم، ولذلك سعت الدول إلى الوصول إلى المياه في النظام العالمي عبر تجارة "المياه الافتراضية" المرتبطة باستيراد السلع، مما يعني أن البلدان التي تعاني ندرة المياه تستورد احتياجاتها من المنتجات الزراعية والحيوانية من البلدان التي تمتلك موارد مائية كافية، وهذا يتناقض مع سياسة تحقيق الأمن الغذائي، لأن وسائل نقل السلع قد تتوقف وقت الأزمات لأسباب لوجستية.

الكويت لا تمتلك موارد كافية من المياه العذبة، ولذلك يعتمد أصحاب المزارع في الإنتاج الزراعي على مياه الآبار الجوفية الغنية بالمعادن والتي تساعد في تدهور التربة واتساع نطاق التصحر، كما يعتمد أصحاب المزارع على الموارد المائية غير التقليدية عن طريق شراء تناكر مياه التحلية المرتفعة التكلفة لاستهلاك الأفراد والمواشي، ويعتمد أصحاب مزارع الصليبية لإنتاج العلف للمواشي من مياه الصرف الصحي المعالجة ثلاثيا، وقد تكون ملوثة بمخلفات المناطق الصناعية، ويعتمد أصحاب مزارع العبدلي والوفرة على المياه المعالجة رباعيا لإنتاج الزراعات الأساسية، بالرغم من عدم كفاية تدفق هذه المياه خاصة أثناء الصيف بسبب محطة الضخ وخطوط نقل التدفقات، ناهيك عن أن الكثير من المواطنين قد لا يتقبلون المنتجات الزراعية المعتمدة على المياه المعالجة لعدة أسباب اجتماعية ونفسية، وهنا تأتي ضرورة الحصول على دعم اجتماعي لتعزيز استخدام هذه المياه في وجود إطار فني وقانوني يضمن سلامة وجودة المنتجات الغذائية.

Ad

الحل الأمثل لتحقيق الأمن الغذائي قد يكون في حصاد مياه الأمطار الموسمية، بالرغم من أن معدل هطول الأمطار السنوي منخفض في الكويت فإن المناطق الحضرية شاسعة، وهي تمثل أحواض تجميع الأمطار، مما يجعل كمية المياه المتجمعة في شبكة صرف مياه الأمطار كبيرة جدا، فإذا افترضنا أن معدل هطول الأمطار السنوي يساوي مئة مليمتر على مساحة أرض تساوي كيلومتر مربع واحد فقط فسيكون حجم المياه المتجمعة يساوي مئة ألف متر مكعب سنويا، وهذا يعادل تقريبا استهلاك المياه لألف فرد سنويا، ولذلك فإن مياه الأمطار المتجمعة على امتداد المساحة الحضرية الشاسعة تحتاج إلى معالجة أولية غير مكلفة نسبيا، وتحتاج أيضا إلى مرافق تخزين كافية في باطن الأرض كخزانات المياه الجوفية الطبيعية، وذلك سيساعد على تحسين جودة المياه الجوفية الغنية بالمعادن.

الاستخدام الأمثل للمياه يحتاج إلى تحديد نوع الإنتاج المطلوب لتأمين الغذاء، فالمنتجات الزراعية كالحبوب والسكر والزيوت النباتية تتطلب كمية كبيرة من المياه وتعتبر مثالية للتخزين على المدى الطويل، ولذلك يمكن استيرادها بدلا من إنتاجها لتحقيق الأمن الغذائي، كما أن المنتجات الزراعية غير الأساسية التي تتطلب عناية كبيرة من أصحاب المزارع كبعض أنواع الفاكهة يمكن استيرادها أيضا لأنها لا تهدد الأمن الغذائي، كما يجب تشجيع إنتاج الألبان واللحوم من أنواع المواشي التي تتكيف مع ظروف البيئة الصحراوية كالماعز والأغنام، فتكلفة تربية البقرة الواحدة تعادل تكلفة سبعة أغنام مما يعني أن نفوق بقرة واحدة يرفع من هامش خسارة الإنتاج المطلوب ويهدد الأمن الغذائي، بالإضافة إلى ذلك يجب إعادة النظر في نسبة الكثافة السكانية في ظل الإمكانات المائية والغذائية المتاحة، فارتفاع نسبة الكثافة السكانية يؤدي إلى زيادة الطلب على الإنتاج الغذائي، كما يجب فتح الأسواق المركزية لتشجيع المزارعين بدلا من سياسة الوسيط في تصريف المنتجات المحلية، في رؤية مثالية على القطاع الزراعي والحيواني أن يساهم بنسبة من إجمالي الناتج المحلي وتوظيف القوى العاملة.

* أستاذ موارد المياه، قسم الهندسة المدنية، جامعة الكويت