للحق صوت وصوت عالٍ جداً، وﺇن لم ينطق به أصحابه، ﺇذا تكلم أصحاب الحق فذلك، لعمري، شيء جيد، وﺇن سكتوا طال أمد الوقت والدهر أو لم يطل فسيظهر الحق ولو بعد حين، تلك هي نواميس الحياة التي وضعها البارئ جل جلاله في خليقته، فللحق صوت، وأختلف مع من يقول ﺇنه ليس بصوت عالٍ.

فترة كورونا الماضية، وبالأخص حقبة تعطيل الأعمال الرسمية ومواعيد الدوام في الحكومة، كشفت جانباً خطيراً من الناس، فباستثناء حفنة مصطفاة ممن شغل نفسه بما هو مفيد له، لا بل زاول أعماله عن بعد دون انتظار أوامر من مدير أو مسؤول وبكل حب ووطنية، ارتأى البعض اﻵخر أن يأخذ بمقولة المرحوم علاء ولي الدين «يعمل نفسه ميت» ليتفرغ لانتقاد الصفوف الأمامية أو أي عمل يتم على مستوى الدولة، ذلك كله وهو يغذي العالم بأفكاره وعلمه الغزير وعقليته النيرة الفذة التي وقفت منذ أيام التعليم اﻹلزامي.

Ad

للعلم، أكاد أجزم أن مصممي منصات التواصل الاجتماعي، لو كانوا يعلمون بأن «السيد الباشا المنتقد» سيخرج علينا بين الفينة والأخرى لما تعبوا أنفسهم في تطوير كل تلك المنصات والتطبيقات المتعددة التي سخرت للثقافة العامة والاستفادة مما تحويه المعلومات الرقمية فيها، كما كشفت لنا حقبة كورونا جانباً أخطر بكثير من تلك الشخصيات الموجودة في المجتمع، ألا وهو جانب العنصرية المقيتة، التي تحاربها مجتمعات العالم كافة ولعشرات السنين، و«دsالسيد الباشا الناقد الرسمي للمنصات» يتحلى بشخصية فيها جانب من العنصرية يكاد يكون مخيفاً حتى للجماعات المتطرفة كـ»الكلو كلكس كلان» ومن على شاكلتها.

صرخةُ الحق أتت على شكل هتافات الجماهير الغفيرة في الولايات المتحدة الأميركية، وتعقبها «المعزبة» بريطانيا العظمى و«العزيزة» ألمانيا الفدرالية، فصرخةُ الجماهير هناك بـ«أنا لا أستطيع أن أتنفس» هي الكلمات التي رددها الرجل الأسمر «جورج فلويد» في لحظات عمره الأخيره قبل أن تسلب آخر أنفاسه من شرطة ولاية مينيسوتا وبالتحديد في مدينة مينيابولس، أستخدم الجمع هنا، لأني أرى في الشرطة الأربعة قاتلا واحدا، اشترك أربعة من عناصر الشرطة بأدوار مختلفة في قتل رجل وجهت له تهمه لم ينظر في صحتها أبداﹰ، وﺇن كان مجرماً فهناك قانون وقضاء يستطيع أن يأخذ مجراه بعيداﹰ عن لغة وأسلوب قانون الغاب، لكن صرخة الحق أتت من كل تلك الجماهير، ليس على الجريمة الشنعاء المرتكبة ضد فلويد فقط، لكن احتجاجاﹰ على كل أنواع التمييز والتفرقة، والطبقية التي خلفت 13% من الأميركيين دون عمل جراء الجائحة الملعونة.

ثار الشعب الأميركي وصدح بالحق، واكتشف أنه لقمة سائغة لرأس مالية وطبقية ملعونة، فكانت ردة فعله هي الاحتجاج والعنف والتخريب، ومما زاد الطين بلة أسلوب «الضرب بالمليان» وﺇهانة الصحافة الدولية، ليكشر النظام الرأسمالي عن أنياب لم تكن مخفية، لكن تم غض البصر عنها من قبل الشعوب لفترة طويلة.

تلاحقت الصيحات بعدها وتكاتفت الشعوب في الاستهجان المنظم لتصدح بالحق في وجه الاستبداد «لن يتم إسكاتنا»، تلك الجماهير الغفيرة التي صدحت بأعلى صوت، شكلت مجاميع من الطبقات الفقيرة والمتوسطة الدخل، والتي استغلها النظام الرأسمالي لمنافعه على مدى سنين طويلة في ملء جيوب العم سام.

سألوا رجلاً حكيماً، قيل إنه القائد الثوري «أرنيستو تشي جيفارا»: أي نوع من الموسيقى توصف بالحرام؟! فأتى الجواب الخالد كالتالي: «صوت الملاعق في صحون الأغنياء حين يسمعها الفقراء».