يكمن سر تخلفنا كأمة وكبلد في معضلة جوهرية ندور في دوامتها ولا نحسن الخروج منها، إما جهلاً أو تعمداً، وكلاهما يقود إلى النتيجة ذاتها، ألا وهي دوراننا حول ذاتنا انتظاراً للحظة السقوط.

إن إمعان النظر في مكامن قوتنا وإمكانية تقدمنا، سواء كان ذلك في مخزون تراثنا أو نسيج مجتمعنا أو مقومات واقعنا، يكشف عن وجود توافقات ضخمة في كل شؤوننا، من شأنها أن تنهض بِنَا، وتلهمنا طاقات جبارة للتميز والتفوق في جميع المجالات، إلا أننا، وبكل أسف، نطرب لنبش التناقضات التافهة؛ الحقيقية أو المصطنعة، بل سرعان ما ننجذب لتلك المتناقضات التي يحاول البعض نبشها وتضخيمها وتعميقها، ليشغلونا بأنفسنا وتفاهة الدوران حول الذات، بحيث يكون لا سبيل للخروج منها.

Ad

والمعضلة الأكبر بشأن التناقضات، هي اندفاعنا ومواجهتنا لبعضنا البعض في معارك خاوية فكرية أو سياسية أو جدلية أو إقصائية، وبحالة من اللاوعي لننبش أي توافه جانبية، فنحن نعيش ضحالة ثقافية وهشاشة قيمية، ولا نستوعب ثقافة الاختلاف واحترام الرأي الآخر، وهو ما يجرنا دوماً لتعقب سفاسف الأمور وترهاتها.

فنُعيب الرأي العلمي السليم لعدم تقبلنا لقائله، ونسفه الرأي السياسي السديد لاختلافنا فكرياً مع مُبديه، ونتعاطف مع موقف مخزٍ انحيازاً لصاحبه كونه مقرباً منا، ونفقد التوازن بالوقوف مع الحق أو الحقيقة، فتتغلب علينا أهواؤنا السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية.

وقد أدرك تلك الحقائق بشأن طريقة تفكيرنا وردود أفعالنا، ومن ثم وقوعنا في التناقض أداء الأمة، وكذلك طرفان داخليان، فقاما بإذكاء تلك التناقضات.

أولهما الحكومة والتي تسهل سبل المعارك التافهة بيننا، لتشتت جهودنا الوطنية عن التوحد وخلق حالة وطنية متماسكة في تعزيز الثوابت والمكاسب الوطنية وتحقيق الإصلاحات، ومنع فضح الفساد وخواء الإدارة العامة للدولة.

وثانيهما قوى الفساد، ممثلة في تحالفات مجاميع ممن يسمون أنفسهم تجاراً، وهم ليسوا كذلك، مع من ينعتون أنفسهم بالوجهاء، مع بعض أطراف بالأسرة الحاكمة، مع زعامات فاسدة برلمانية وسياسية وحزبية، ويمارس هؤلاء أدواراً مشبوهة لبث الفرقة وتشجيع المعارك التافهة، من خلال الإعلام أحياناً، وبواسطة غلمانهم بالبرلمان مرة، ومن خلال افتعال فضيحة أو تسريب لملف لا طائل من ورائه، لإشغالنا ببعضنا البعض بمعارك سياسية وفكرية وطائفية واجتماعية تستنزف الطاقات وتشتت الجهود، وإهدار ثوابتنا الوطنية.

إن من يراجع العمل البرلماني منذ 1975 وحتى اليوم والعمل السياسي بشكل عام ودور النخبة المثقفة بشكل خاص، وما تنشغل به مؤسسات المجتمع المدني، لن يعجزه إدراك تفاهة المعارك التي انساق وراءها الجميع، فنجد جعجعة، لكننا لم نرَ طحيناً، بل هزال وانحدار في المشروع الوطني وتآكل لدولة المؤسسات، وتراجع بالعمل الوطني وقيمه، وتوقف لعجلة الإصلاح، وطغيان الفساد بصورة غير مسبوقة، وعجز مؤسساتنا الوطنية وجهات الرقابة عن مواجهته.

إن ما شهدناه من بعض النجاح لمبادرات الإصلاح ومواجهة قوى الفساد بفترات محدودة، كان يجدد بالمواطنين تفاؤلاً بإمكانية النهوض وإعادة الكويت لسابق عهدها القريب، بل يؤكد الأرضية الرصينة للتوافقات الوطنية المتعددة، التي يجب التمسك بها للنهوض بمشروعنا الوطني، وإقصاء قوى الفساد، وأظن أننا لا نختلف بشأن:

- أن مرجعيتنا الوطنية هو دستور 1962.

- أن الدولة الدستورية ومؤسساتها سبيلنا لتماسك دولتنا العصرية.

- أن إعادة الاعتبار لمجلس الأمة بتطهيره من نواب مرحلة الفساد، محور رئيسي للعمل الوطني.

- أن فتح ملفات الفساد مسألة لا تحتمل التأخير.

- أن إصلاح نظام الانتخابات أولوية وطنية قصوى.

فلنبادر للتأكيد على التوافقات، ونبدد أوهام من يشغلنا بالمتناقضات، لنرتقي بعملنا الوطني وببلدنا الكويت.