مع تواصل الاضطراب العرقي الأكبر منذ سنوات في الولايات المتحدة بعد مقتل الرجل الأسود جورج فلويد خنقاً على يد 4 عناصر من الشرطة مارسوا عنفاً مفرطاً بحقه خلال توقيفه في مينيابوليس، حاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحويل الأنظار إلى السياسة الخارجية، مطلقاً سلسة مواقف وتحركات.

فمن إيران، التي دعاها إلى التوصل لاتفاق قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر، إلى أوروبا التي قرر سحب قوات أميركية منها في خطوة تعزز مخاوف الحلفاء الأطلسيين، إلى عودة العمليات العسكرية ضد حركة طالبان في أفغانستان، وصولاً إلى عودة نغمة التهديد بفرض رسوم جمركية على الصين وأوروبا، كلها ملفات وضعت مرة واحدة على الطاولة في تكتيك يبدو تقليدياً في السياسية الأميركية التي تمتص أي توتر داخلي بالتحرك في الخارج.

Ad

وفي إضافة تبدو ضرورية على هذه الحزمة، أعلن ترامب انتصاراً مبدئياً على "كورونا"، وقال، إنه سيطلب من الكونغرس تمرير المزيد من حزم التحفيز الاقتصادية، بما في ذلك خفض الضرائب على الأجور، معتبراً أن التحسن المفاجئ في بيانات البطالة انتصار إضافي على صحة سياسته الاقتصادية.

«يوم عظيم»

لكن ترامب لم يمرر هذه المواقف دون إحداث مزيد من الجدل في قضية فلويد. فقد أثار انتقادات لم تقف بعد قوله أمس الأول: "آمل أن يكون جورج يشاهدنا من السماء ويفكر بأن ما يجري في بلاده أمر عظيم جداً. هذا يوم عظيم بالنسبة له، هذا يوم عظيم للجميع. يوم عظيم جداً، للمساواة".

وكان ترامب يتحدث إلى الإعلام للإشادة بالانخفاض المفاجئ لمعدل البطالة. وفسرت تعليقاته بشكل واسع حول فلويد أيضاً على أنها مطابقة مثيرة للدهشة بين ذلك التطور الإيجابي على الصعيد الاقتصادي، وحدث مؤلم يهز الولايات المتحدة.

لكن البيت الأبيض احتج على هذه المقاربة "الخاطئة" لتصريحات ترامب.

وكتب بين ويليامسون أحد مستشاري ترامب حول الاتصالات، في تغريدة أن "الرئيس كان يتحدث بوضوح عن الكفاح من أجل عدالة منصفة والمعاملة المنصفة أمام القانون، حين أدلى بذلك التعليق".

ودائماً اعتبر ترامب أن السياسة الأفضل من أجل تقليص عدم المساواة هي عبر دعم النمو الاقتصادي وتخفيف البطالة في أوساط الأميركيين الإفريقيين.

وقبل الإدلاء بتصريحه حول جورج فلويد، تحدث ترامب عن قضية المساواة أمام القانون، التي رأى أنها "يجب أن تعني أن كل أميركي يتلقى المعاملة نفسها عند أي تفاعل مع قوات الأمن، مهما كان عرقه، أو لونه، أو جنسه أو دينه. يجب أن يعامل الجميع بطريقة عادلة من جانب قوات الأمن".

نشر الجيش

إلى ذلك، كشفت تقارير إعلامية أميركية أن ترامب أراد بعد أن قدم نفسه على أنه رئيس "القانون والنظام"، إصدار تعلميات بنشر الجيش لوضع حد للتجاوزات لكنه تراجع خصوصاً بسبب رفض رئيس الأركان مارك ألكسندر ميل، بالإضافة إلى تعرضه لانتقادات غير مسبوقة من جانب عشرات كبار القادة السابقين، بينهم وزير الدفاع جيم ماتيس ورئيس موظفي البيت الأبيض جون كيلي.

سحب جنود

ميدانياً ، أعطى وزير الدفاع الحالي مارك إسبر أوامر إلى "البنتاغون" لإعادة 900 جندي من الفرقة 82 المحمولة جواً تم إرسالهم للتصدي لاضطرابات محتملة بالعاصمة واشنطن إلى قواعدهم بفورت براج في ولاية نورث كارولاينا وفورت درام في نيويورك، بعد يوم من سحب زهاء 700 آخرين.

ووجه إسبر لاحقاً الحرس الوطني التابع للعاصمة والحرس القادمين من ولايات أخرى إليها بعدم استخدام الأسلحة أو الذخيرة، بحسب صحيفة "واشنطن بوست"، التي اعتبرت أن خطوة البنتاغون مؤشر على خفض التصعيد في التجاوب الفدرالي مع الاعتصامات.

ووسط توتر العلاقة، كشف مصدر حكومي في واشنطن أن ترامب بدأ ينظر بلائحة أسماء لاختيار بديل لإسبر في حال قرر الخروج من الإدارة، مشيراً تحديداً إلى السيناتور توم كوتون أو وزير الجيش راين ماكارثي.

حكام الولايات

ومع دخول الاحتجاجات أسبوعها الثاني، شّن ترامب، الذي اقترح على حكام الولايات استدعاء الحرس الوطني لمواجهة الشغب والسيطرة على الشوارع، هجوماً حاداً على عمدة واشنطن موريل باوزر، واصفاً إياها بأنها "غير كفوءة"، لقيامها بإطلاق اسم "حياة السود مهمة" على شارع قريب من البيت الأبيض.

واتهم ترامب باور، التي طالبت بإنهاء جميع المظاهر المسلحة وإلغاء جميع الإجراءات الاستثنائية لفرض القانون بما فيها الوجود العسكري، بأنها "تقاتل الآن الحرس الوطني الذي أنقذها من إحراج كبير على مدى الليالي الماضية".

إصلاح الشرطة

ووسط تصاعد الغضب عقب انتشار تسجيل مصور يظهر المزيد من انتهاكات رجال تطبيق القانون، تبنت شخصيات سياسية بارزة من الحزب الديمقراطي دعوات وشعارات المتظاهرين، وطالبوا بإصلاحات في جهاز الشرطة تتضمن منع استخدام سلوكيات عنيفة وإتاحة الاطلاع على سجلات تأديب أفرادها.

وفي أعقاب مراسم أولى مهيبة أجريت في مينيابوليس الخميس، نظمت أمس أيضاً مراسم تكريم لفلويد في ريفورد بكارولاينا الشمالية، الولاية التي ولد فيها.

قوة واستقالة

وفي ظل احتدام الجدل حول استخدام الشرطة للقوة بوجه المتظاهرين المسالمين إلى حد كبير، دخلت صحيفة "نيويورك تايمز" في حالة من التخبّط بعد أن نشرت صفحتها الافتتاحية مقالاً للسيناتور الجمهوري توم كوتون دعا فيه إلى استخدام ساحق للجيش لسحق أعمال الشغب ووقف النهب والسلب، وللمساعدة في استعادة النظام داخل المدن الأميركية، التي يسيطر عليها العنف والنهب والجريمة بعد وفاة جورج فلويد.

في الأثناء، استقال جميع أعضاء فريق الاستجابة للطوارئ، التابع لإدارة شرطة بافالو في نيويورك الـ57، أمس الأول، رداً على تعليق الإدارة عمل اثنين من الضباط، بعد ظهور مقطع فيديو يظهرهما يدفعان متظاهراً يبلغ من العمر 75 عاماً على الأرض.