من حسنات كورونا القليلة جداً أنني تابعت الأعمال التلفزيونية المختلفة لرمضان هذا العام بسبب الفراغ الطويل والجلوس في المنزل، ويبدو أني كنت غائباً أو مغيباً لرمضانات كثيرة عن هذه الأعمال، لأني اكتشفت مسافة شاسعة في المستوى بين «ليالي الحلمية» و«بو ردح» وأعمال هذا الشهر.

رجل على سرير المرض في العناية المركزة لعدة أيام حليق اللحية، وأخرى في غرفة العمليات ثم غرفة العناية المركزة حتى وفاتها بكامل أناقتها من «ميك أب» وساعة فخمة وزي سهرة، وثالث طوال حلقات المسلسل يستقبل ضيوفه وعملاءه في منزله بكامل هندامه (بدلة وكرافتة وتسريحة فورمال) وكأنه متأهب في منزله أو في حالة استنفار دائمة.

Ad

دعك من الأزياء والأصباغ، ولنذهب إلى ما هو أبعد بقليل، فقد انتهت الثلاثون حلقة من أحد المسلسلات وأنا أسأل الأبناء عن هذه أو تلك من زوجات الأولاد، فكلهن يتشابهن وكأنهن توائم نتاج عمليات التجميل التي يبدو أنها تجرى عند جراح واحد أو عند عدة جراحين وفق تصميم تجميلي واحد.

لكن عمليات التجميل و«الميك أب» والأزياء تهون أمام عمليات تجميل و«ميك أب» آخر تدخل على النصوص وفي الحوارات والمشاهد المصورة، فيتحول الكذب الى حقائق والتزوير الى تاريخ وتستعمل المعلومات في غير محلها أو لإثبات عكس حقيقتها، لتتم محاولات إخفاء الحزن بنشر السعادة وإخفاء الأمراض النفسية بادعاء سلامة العقل، وحجب الفكرة الصحيحة بنقيضها.

«أم هارون» من هذه الشاكلة، فمن أجل إخفاء بعض الأفكار أو المقصود من بعض الحوارات تم استخدام أصباغ رخيصة وماكيير (غشيم) لصناعة نصوص (إن صحت التسمية) متهالكة، حتى أصبحت المزاوجة بين فكرة صحيحة وفكرة خاطئة وتغيير ثياب الفكرتين ونوع الميك أب يشبه زواج المرحومة صباح بفادي لبنان، ما لا يمكن حدوثه حدث وما لا يمكن أن يقع وقع، لكن بنظرة واحدة وسريعة في صورة تجمع فادي بصباح أو تجمع الفكرة بالفكرة يصاب المتفرج بالقرف والغثيان.

أنا لا ألوم كاتباً يعتقد أنه «يفتهم»، ولا ألوم صاحب دفتر شيكات يتعامل مع كاتب «يجيب فيه العيد» لأنه يريد أن يقول شيئأً يخدمه دون أي اهتمام بالقيمة الفنية للنص، في حين أن المشاهد يبحث عن قيمة فنية للنص دون اهتمام لما يخدم صاحب دفتر الشيكات، كما ألوم استرخاص الإنسان لذاته ومبالغة الآخر في رفع تسعيرة الرخيص رغم أن المتوقع أن يحدث العكس، فالمتوقع أن يبالغ الكاتب في تقدير أجره ويبالغ مشتري النص في تقليل سعر النص، ولكن يبدو أن الدافع لا يدفع من جيبه والمستلم يحتسب قيمة القلم والأوراق فقط دون أن يكون لفكره (إن وجد) قيمة.

كما يبدو أن العقول التي تم تكليفها بعمليات غسيل العقول قد تعرضت لعدة غسلات متتالية، فلم تعد تفرق بين تقديم وجبة ثقافية للاحتواء وتقديم فوضى لا علاقة لها بالفن أو الثقافة، حتى أنها لم تأخذ اتساع فضاء التثقيف بالحسبان وحتى وجدت نفسها محل سخرية «تويتر» و»فيسبوك» و»يوتيوب»، فتحدث بالموضوع من لا يتحدث وقال رأيه الذي لم نتعوده يقول، واللي يحب النبي يضرب، إذ لم يعد للرسائل الساذجة التي اجتمع من أجلها المتعوس وخايب الرجا أي أثر أو قيمة على المجتمعات التي يحاولون تدجبنها ضمن مشروع غزو ثقافي يخسر فيه الداعون له فقط، سواء كانوا من دعاة الفوضى الثقافية أو دعاة الفوضى الأخلاقية.