بدأ الوضع يحتدم بدرجة غير مسبوقة، ففي حين تواجه الولايات المتحدة سلسلة من الأزمات المتلاحقة بسبب فيروس كورونا المستجد للشهر الرابع على التوالي، توجّه الرئيس الأميركي، الذي أصبحت فرص إعادة انتخابه ضعيفة، إلى شعب مرهق يوم الجمعة الماضي، فكشف دونالد ترامب وكبار الأعضاء في فِرَق السياسة الخارجية والاقتصاد (الدبلوماسي البارز مايكل بومبيو، الصوت المعادي للصين بيتر نافارو، الممثل التجاري روبرت لايتهايزر، رئيس مجلس الأمن القومي روبرت أوبراين، وزير الخزانة ستيف منوشين) عن سياسة جديدة للتعامل مع جمهورية الصين الشعبية.

كان الخطاب الوطني الذي ألقاه ترامب في "حديقة الورود" يوم الجمعة الأول منذ اندلاع الاحتجاجات الفوضوية في عدد من المدن الأميركية، أبرزها "مينيابوليس"، في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع رداً على مقتل جورج فلويد من "مينيسوتا" بطريقة مثيرة للجدل على يد الشرطة، غداة أشهر من الإحباط الوطني.

Ad

لطالما دعا مؤيدو السياسات العدائية مع الصين، بما في ذلك نافارو وصانعو القرار والمستشارون غير الرسميين في الإدارة الأميركية من أمثال تاكر كارلسون وستيف بانون، إلى الرد بصرامة على اللاعبين العدائيين في بكين، إذ يدعم مؤيدو هذا الخط الصارم دوماً تكثيف النفوذ الأميركي على المستوى الوطني، بعبارة أخرى يجب أن تضع الولايات المتحدة سياسة خاصة بالرسوم الجمركية وتبدأ بتقريب سلاسل الإمدادات الأساسية من محور واشنطن، صحيح أن ترامب يُعتبر من أكثر الرؤساء صرامة في تعامله مع الصين منذ جيل على الأقل، إلا أنه بقي معتدلاً نسبةً إلى أدائه العام وتوجهات السياسة الخارجية الأميركية التي اتخذت منحىً حكيماً وغيّرت رأيها حول الدولة الصينية.

ارتكزت مقاربة ترامب عموماً على إيجاد توازن بين إرث الأمن القومي والاعتبارات المالية على المدى القصير، فاتّضحت هذه المقاربة بشكلٍ أساسي في المفاوضات على "المرحلة الأولى" الشائبة من الاتفاق التجاري الذي أُبرِم قبل أن يضرب الوباء الولايات المتحدة مباشرةً.

بعد عرض التاريخ المُحبِط الحديث من الدبلوماسية الأميركية تجاه بكين، بدأ الرئيس خطابه حول هذا الموضوع بأسلوب مُلتَبِس فقال: "لكني لم أضع اللوم على الصين وحدها يوماً، لقد أفلتوا من العقاب رغم سرقاتهم المتكررة، كما لم يفعل أحد في الماضي، ويتعلق السبب بالسياسيين السابقين، وبكل صراحة بالرؤساء السابقين أيضاً".

لكن اتّضح يوم الجمعة، في البيت الأبيض، أن المعايير السائدة تغيرت بطريقة لم يكن أحد يتوقعها منذ خمس سنوات، قبل وصول ترامب إلى الرئاسة، فقال ترامب: "يجب أن نحصل على أجوبة... ليس نحن فقط بل بقية العالم. لقد أكّد هذا الوباء أهمية بناء اقتصاد أميركي مستقل، وتجديد الدعم لسلاسل الإمدادات الأساسية، وحماية التقدم العلمي والتكنولوجي الأميركي".

كذلك أعلن الرئيس أن الولايات المتحدة ستقطع علاقتها مع منظمة الصحة العالمية التي تتعرض لهجوم كبير منذ بداية الأزمة بسبب تساهلها مع الدولة الصينية، ثم كرر النبأ المؤسف الذي أعلنه بومبيو سابقاً: أمام التحركات الصينية الأخيرة، لم تعد الولايات المتحدة تستطيع اعتبار القيادة في هونغ كونغ منفصلة عن الحزب الشيوعي!

* كيرت ميلز