عادت إلى واجهة الأعمال في الكويت قضايا العمليات المالية المشبوهة، من خلال تداعيات الصندوق السيادي الماليزي 1mdb، والتي أدت هذا الأسبوع إلى تقديم وحدة التحريات المالية بلاغاً للنيابة العامة، يشمل حسبما أعلن وزير الداخلية "جميع الأطراف المرتبطة بتلك المعاملات والشركات (المتورطة في قضية الصندوق الماليزي)".

والمعاملات المالية المشبوهة في الكويت ليست ظاهرة حديثة، بل إن بعضها فجر أزمات سياسية كبيرة خلال سنوات سابقة، مثل قضايا التحويلات والإيداعات في عام 2011، وتكرار تحويل العديد من مشاهير السوشيال ميديا إلى النيابة العامة، إضافة إلى معاملات أخرى مشبوهة دائما، مما يثير الأسئلة والشبهات في القطاعات الاقتصادية كالعقار والسلع انتهاء بقضية الصندوق الماليزي التي تزامنت مع شبهات أخرى أعلنتها وزارة العدل الأميركية عن اتهامات غسل أموال ضد عشرات المسؤولين المصرفيين من كوريا الشمالية كانوا وراء مخطط دولي لغسل أموال تصل قيمتها إلى نحو 2.5 مليار دولار، في انتهاك للعقوبات الأميركية كانت الكويت واحدة من محطاتها.

Ad

جدية القانون والتطبيق

وإذا كانت قضية الإيداعات المليونية، بكل ما حملته من فضائح مالية وسياسية، حدثت في وقت كانت البنية التشريعية والقانونية ـــ كما قيل وقتها ــــ قاصرة، فإن ما تبعها من عمليات مشبوهة، وآخرها الصندوق الماليزي، وقعت بعد سنوات، وتحديداً بعدما صدر قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 106 لسنة 2013 ولائحته التنفيذية، وقرار مجلس الوزراء، التي حددت اختصاصات الجهات المعنية كالبنك المركزي ووحدة التحريات المالية، مما يفترض أن مؤسسات الدولة المعنية فهمت الدرس، وبالتالي فإن تكرار حدوث العمليات المشبوهة يفتح الباب للتساؤل حول مدى جودة القانون أو على الأقل جدية تطبيقه.

اختصاصات «المركزي» و«التحريات»

وبناء على القانون 106 لسنة 2013، فإن اختصاصات بنك الكويت المركزي تجاه عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب معظمها إشرافية، تتعلق بإصدار التعليمات إلى الجهات الخاضعة لرقابته، وتحديد ما يتعين عليها اتخاذه من إجراءات، والتأكد من ذلك عبر الفحص الميداني، فضلا عن تطبيق الجزاءات المنصوص عليها في حال وقوع أي مخالفة.

أما وحدة التحريات المالية فتتولى اختصاصات تنفيذية وميدانية أوسع، من خلال عملها ك "استخبارات مالية"، منها تلقي بلاغات البنوك المحلية أو الأجنبية العاملة في الكويت بأي عمليات مالية مشبوهة، وتلقى الإخطارات والمعلومات المتعلقة بما يشتبه في أن تكون عائدات متحصلة من جريمة أو أموال مرتبطة أو لها علاقة بها، أو يمكن استعمالها للقيام بعمليات غسل أموال أو تمويل إرهاب والقيام بتحليلها.

كما أن لوحدة التحريات المالية حق طلب أي معلومات من المؤسسات، سواء كانت مالية أو غير مالية، ولها حق الحصول من أجهزة الدولة على أي معلومات تراها ضرورية لأداء مهامها، بل يتعين على أجهزة الدولة تلبية طلبات الوحدة في هذا الشأن دون تأخير، كما تعتمد الوحدة التقرير التحليلي لتقييم الإخطارات التي تتلقاها سنويا، واتجاهات غسل الأموال وتمويل الإرهاب والإحصاءات، والذي يتم نشره بصفة سنوية، وهي الجهة المكلفة بالحفاظ على نزاهة القطاع المصرفي والمالي بالكويت وحمايته من جريمة غسل الأموال والجرائم الأصلية المرتبطة بها وتمويل الإرهاب، وذلك من خلال الالتزام بالمعايير الدولية والتعاون الفعال مع الجهات المختصة.

وحسب القانون، فإن وحدة التحريات المالية الكويتية لها شخصية اعتبارية مستقلة، وهي الجهة المسؤولة عن تلقي وطلب وتحليل وإحالة المعلومات المتعلقة بما يشتبه في أن يكون عائدات متحصلة من جريمة أو أموال مرتبطة أو لها علاقة بها، أو يمكن استعمالها للقيام بعمليات غسل أموال أو تمويل إرهاب.

أقل من التحدي

ومع الاختصاصات الموسعة للوحدة على الجانب الميداني فإن أوضاعها ليست على مستوى تحدي العمليات المالية المشبوهة، سواء كانت من نافذين أو فاشنستات، فالوحدة منذ نحو عامين بلا رئيس أصيل، مما يعرقل أعمالها وحتى استقلاليتها، فضلا عن أن بلاغاتها للنيابة العامة غير معلنة، وبالتالي لا يستطيع أحد أن يعرف مدى جدية البلاغ من عدمه، أما تكرار شبهات غسل الأموال وتضخم الحسابات فهو دليل على أن الاستقلالية التي منحها القانون رقم 106 لسنة 2013 لم تعط النتائج المرجوة، مما يفتح احتمالات لأي عمليات غسل أموال أو تمويل إرهاب أو إيداعات لسياسيين ومشاهير في المستقبل، بكل ما تحمله من أضرار على الكويت وسمعتها المالية.

بل إن التراخي في متابعة ملفات الأموال المشبوهة يمكن أن ينعكس سلبا على الكويت في أضرار تتجاوز السمعة المالية أو التصنيف السيادي إلى التدخل في شؤونها الداخلية، خصوصا أننا نعيش في محيط إقليمي ملتهب، ربما تحاول بعض الدول فيه ضخ الأموال للسياسيين والإعلاميين والمشاهير لتوجيه الرأي العام حيال مواقف معينة، تخلق ضغطا داخليا على مواقف الدولة الرسمية، ويكفي أن نعلم أن قضية الصندوق الماليزي مثارة منذ نحو 3 سنوات، ولم يتخذ بها أي إجراء إلا بعد إثارتها في الصحافة العالمية!

مراجعة الإجراءات

ومع صدور القانون 106 لعام 2013 لا شك في أننا اليوم بحاجة إلى مراجعات لملف مكافحة الأموال المشبوهة في الكويت، التي ربما عزز عدم وجود نظام ضريبي على الأعمال والمعاملات التجارية والمالية من فرص التلاعب والاحتيال، كما أن المراجعة يمكن أن تشمل أمورا متعددة، منها إلى أي مدى ساهمت استقلالية وحدة التحريات عن البنك المركزي في تحقيق تقدم على صعيد المكافحة؟ وهل يعزز نشر البلاغات إلى النيابة العامة من رقابة الرأي العام، فضلا عن أهمية فهم أن مخاطر اختراق القواعد القانونية والمالية ذات ضرر كبير على الاقتصاد وسمعة الكويت، سواء كان المبلغ ديناراً أو مليار دينار.