توقع كثيرون نهاية الرئيس السورى بشار الأسد منذ فقدانه أربعة من كبار مسؤولي الأمن في عام 2012، ثم كانت اللحظة المصيرية وهي لحظة انشقاق مناف طلاس، ضابط الحرس الجمهوري السابق والعليم ببواطن الأمور في نفس العام.

ويقول كمال علام، المحلل العسكري السوري، المتخصص في التاريخ العسكري المعاصر للشرق الأوسط، إنه قد اتضح أن التقييمات المبكرة حول فشل ونهاية الأسد بعيدة عن أي تفهم للحقائق الأساسية.

Ad

ويضيف علام، الذي يحاضر في كليات عسكرية في الشرق الأوسط، وباكستان، وبريطانيا، في تقرير له نشرته مجلة «ناشونال انتريست» الأميركية أمس الأول، أن نفس من تكهنوا بنهاية بشار الأسد يتحدثون الآن بصخب عن كيف أن روسيا «سئمت» الأسد، وأن الخلاف مع أغنى رجل في سورية، ابن خاله رامي مخلوف، دليل على النهاية.

ويرى علام، زميل معهد ستيت كرافت البريطاني، انه مع تركيز الأسد على الازمة الاقتصادية، يقوم الروس بالتفكير في طرق لتدعيم مكاسبهم العسكرية أيضا في المجالين السياسي والاقتصادي.

ويزعم هذا المحلل الذي يبدو قريباً من دمشق، ان الحديث عن وجود خلاف روسي مع دمشق أو شعور بالإحباط إزائها يتجاهل أساسا الدور التاريخي لروسيا في سورية، الذي يسبق تولي فلاديمير بوتين الرئاسة، ويمثل استمرارا لأكثر من 60 عاما من المشاركة الدائمة في الشؤون العسكرية السورية.

وذكر علام أنه في فعالية لمركز ناشونال انتريست الأميركي عام 2015 تنبأ بسبب نجاح التدخل الروسي في سورية في وقت كان كثيرون يشككون في الدوافع أو ما إذا كانت سورية ستكون أفغانستان جديدة بالنسبة لموسكو. ويرى أنه في حقيقة الأمر كانت سورية شيشان جديدة وليست أفغانستان جديدة. فبمجرد أن حقق بوتين انتصارا ساحقا في غروزني، أعاد البناء وحقق وجها جديدا كاملا للمنطقة ذاتية الحكم. والروس يعيدون الآن بناء الجيش السوري وببساطة يتخلصون من الميليشيات التي تهدد سيادة دمشق.

ويدعي علام أن محاربة الفساد الاقتصادي مطروحة على أجندة الأسد منذ عام 2018، وبعد شعوره الآن ببعض الارتياح على الجبهة العسكرية، بدأ يلاحق الفاسدين بما في ذلك ابن خاله. ويقول ان الروس يراقبون عن كثب الوضع في دمشق وكيف أن الرأي العام تحول ضد الفساد.

ويشير إلى أن سورية نجحت في تحقيق توازن في علاقتها القوية بإيران، ومع ذلك تواصل تحقيق مصالح استراتيجية قوية مع دول الخليج. وقد تعلم بشار من والده حافظ الأسد متى وكيف يستخدم ورقة العلاقة مع الخليج، كما أن مصالح موسكو تتوافق مع العديد من دول الخليج. فروسيا والإمارات تتخذان معا الآن مواقف مضادة في مواجهة تركيا في ليبيا وسورية. وهذا يعني أنه سيتعين على تركيا تحقيق توازن دقيق مع روسيا في ضوء أنها تبدو في حالة انعزال متزايدة في منطقة البحر المتوسط. ومع زيادة تواصل اليونان وقبرص مع سورية، يؤدي هذا إلى زيادة الضغط على تركيا.

وسوف يتطلع الروس الى الاستفادة من المشاركة الجديدة للإمارات في سورية، حيث يتطلع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد الى دعم الأسد كقوة موازنة ضد النفوذ التركي في شمال سورية.

وأشادت الإمارات صراحة بـ«القيادة الحكيمة» للأسد، ومع انتشار جائحة كورونا اتصل الشيخ محمد بن زايد هاتفيا بالأسد، وأبدى له مساندته ووعد بالمساعدة أثناء الجائحة وفي إعادة إعمار سورية، كما أرسلت الإمارات وفدا تجاريا رفيع المستوى إلى سورية.

ويقول علام إن بوتين يسعى للتعاون مع الامارات والسعودية في سورية، من خلال تعزيز عدائهما ضد تركيا، والرغبة في إحداث توازن في مواجهة النفوذ الإيراني. ومن المعروف تماما أن الروس يريدون انحسار الدور الإيراني، وهو ما ترحب به المنطقة كلها.

كما ترحب روسيا بتواجد صيني واضح بصورة متزايدة في سورية، فهناك مسؤولون صينيون كبار يزورون دمشق بانتظام، ويعتبر الصينيون سورية مركز استثمار طويل الأمد وليس مجرد مكسب سريع. إضافة إلى ذلك، عينت اليونان أول مبعوث رسمي لها في سورية منذ بدأت الحرب هناك، وهو ما يعتبر دليلا إضافيا على وجود تحالفات جديدة لمواجهة تركيا في سورية.

ويختتم علام تقريره بتأكيد أن الأسد يدرك أنه لكي يفوز في المعركة الاقتصادية، يتعين عليه التخلص من الأسماء الفاسدة حتى لو كانوا من أفراد عائلته. وهو في ذلك يحظى بدعم روسيا وجيشه. كما أكد أن روسيا لا يمكن أن تتخلى عن سورية أو الأسد، فهناك علاقات مستمرة منذ 60 عاما وستبقى على الدوام.