حديثنا اليوم عن الهَمَيْسَع بن حِميَر، الذي خلف الحكم بعد أبيه حِمير وجده سَبأ. يقول نشوان الحميري في قصيدته:

أين الهَمَيْسَعُ ثم أيْمَنُ بَعـــــده

Ad

​​وزُهيرُ مُلكٍ زاهرٍ وضّاحِ

في عَصره هَلَكت ثمودُ بناقةٍ​​

لَقِيَتْ بها ترَحاً من الأتراحِ

وكما قلنا في المقال السابق، فإن عمّ الهميسع، وهو كهلان، وقف مخلصاً مع ابن أخيه، فشدّ من أزره، وسانده في كل أموره، حتى أتى يومه بعد سنوات قليلة، فأنشد قائلاً يوصي ابنه زيداً بالسمع والطاعة لابن عمه الهميسع:

يا زيد إنّ أباك أصبح نَسرُه ​​

لا يستطيع إلى النهوض سبيلا

اليومَ عمّك خفّ عنّا آفلاً ​​​

وغداً ستشهد من أبيك أُفولا

يا زيد لا تعصِ الهميسعَ

وانتظر ​​ماعونه لك بكرة وأصيلا

وبعد عدة أبيات يؤكد له أهمية مساندة الهميسع، فيقول:

كُنْ للهميسعِ طائعاً كيما يكو​​نَ

لك الهميسعُ ناصراً وكفيلا

وتقول بعض الروايات إن مملكة حمير توسعت حدودها في عهد الهميسع، وكانت آمنة مستقرة، حيث اتفق الهميسع مع زيد على أن يتولى زيد نجداً والحجاز ومدين، وله الحق في التصرف بكل أموالها ومخرجاتها، فاستطاع زيد بن كهلان أن يستمر في السيطرة على أماكن نفوذه، وأن يحافظ على ولاء زعماء القبائل في تلك الأطراف.

وبعد وفاة الهميسع، تولى الحكمَ من بعده ابنُه أيمن، الذي استمر على نهج والده وأجداده، ولم يعترض على ذلك ابن عمه زيد بن كهلان، بل إنه أوصى ابنه مالكاً بدعم أيمن والوقوف بجانبه، وقال في ذلك:

أتى يومُ الهميسع فاحتواه ​​​ وزيدٌ يومه لابد آتي

وكلٌّ لا محالةَ مُستقلٌّ ​​​يؤول من الحياة إلى الممات

وكلُّ جماعةٍ لابد يوماً ​​تصير إلى التفرق والشتات

أمالِكُ سِرْ لأيمن في مسيري ​​لوالده إذا حانت وفاتي

أطِعْه يُطعك أيمنُ مثلما أ​​طاعنيَ الهميسعُ في حياتي

هو الملك العظيم وأنت فاعلم

​​على عُمّاله وعلى الولاة

إليك إتاوةُ الأطراف تُجبى ​​​

وتأمر بالجيوش الناشرات

وبعد وفاة أيمن، انتقل الحكم من بعده لابنه زهير، الذي يروى أن قوم ثمود أهلكهم الله في عهده. وثمود هو ابن عابر بن إرم بن سام بن نوح، وهم قوم أشداء خلفوا أرض عاد الأولى، فانتشروا في المناطق التي حولهم (فيما بين الحجاز والشام)، واستكبروا في الأرض بغير الحق، وكانوا يعبدون الأصنام. وقد سماهم الله تعالى في القرآن الكريم بـ"أصحاب الحِجْر"، حيث قال في سورة الحجر: "ولقد كذّب أصحابُ الحِجر المُرسَلين". وبعد أن غرتهم قوتهم وأموالهم، أرسل الله لهم نبياً منهم، وهو صالح عليه السلام، وقصته معهم ومع الناقة معروفة للجميع.

نقف عند هذا الحد في مقالنا اليوم، ونتحدث إن شاء الله تعالى، في المقال المقبل، عمن جاء ليحكم مملكة حمير بعد أيمن ابن الهميسع.