يفكر بنيامين نتنياهو ملياً بقراره الحاسم في المرحلة المقبلة: هل يضم المزيد من الأراضي أم يمتنع عن ضمّها؟

أصبح نتنياهو صاحب أطول عهد في رئاسة الحكومة في تاريخ إسرائيل، وهو يوشك على بدء ولايته الخامسة، ويبدو أنه اتخذ قراره النهائي، فقد صرّح حديثاً أمام مجموعة من الإنجيليين المسيحيين بأنه «واثق» بقدرته على ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية. عملياً، تسمح له شروط اتفاقه مع خصمه السابق وشريكه الحالي بيني غانتس بطرح اقتراحات لتنفيذ هذا الهدف اعتباراً من 1 يوليو.

Ad

لكن هل سينفذ هذا القرار فعلاً؟ هو يشغل منصب رئيس الحكومة منذ عقد ونصف تقريباً ولطالما بقي تأييده لضم الأراضي شفهياً، ولم تكن مصادفة أن يكرر كلامه عن هذا الموضوع في أبريل 2019، قبل فترة قصيرة من الانتخابات الإسرائيلية الأولى، فقد سبق أن حقق نتنياهو إنجازات كثيرة كسياسي وكرئيس حكومة أيضاً، لكن حين يضطر لاتخاذ قرارات حاسمة حول الحرب أو السلم، فلا يمكن اعتباره زعيماً جريئاً بقدر مناحيم بيغن أو إسحق رابين أو أرييل شارون.

توخي الحذر

لتنفيذ قرار ضم الأراضي، يجب أن يقتنع نتنياهو بقدرته على التحكم في سلبيات هذا القرار مهما بدت إيجابياته مغرية، قد يدعو أي تقييم موضوعي إلى توخي الحذر في هذا المجال. ستبدأ محاكمة رئيس الحكومة في 24 مايو الجاري، وهو يحتاج إلى الوقت والجهد للدفاع عن نفسه أمام القضاة في محكمة القدس، ومع أن إسرائيل نجحت في السيطرة على فيروس «كوفيد- 19» بطريقة لافتة، لكنّ الركود الاقتصادي بات يلوح في الأفق ولا شيء يضمن عدم تجدد الفيروس مستقبلاً.

كذلك، لا بد من مراعاة مواقف العرب والفلسطينيين والمجتمع الدولي، فقد لا يصعب التعامل مع هذه الجهات، لكن لم يسبق أن نجح أي رئيس وزراء إسرائيلي، منذ نشوء الدولة الإسرائيلية، في توسيع علاقات بلده مع العالم العربي، لا سيما في الخليج، إذ تبدو علاقات إسرائيل مع مصر في أفضل حالاتها، لكنّ روابطها مع الأردن متوترة وقد يقرر الملك عبدالله قطعها إذا صدر أي قرار أحادي الجانب بضم أجزاء من الضفة الغربية أو بإعلان سيادة إسرائيل على غور الأردن، وما الداعي أصلاً لاستفزاز الفلسطينيين المنقسمين والضعفاء بعدما نسي العالم أمرهم بالكامل؟ كان مدهشاً أن ينجح نتنياهو في توسيع النفوذ الدبلوماسي الإسرائيلي في أوروبا وآسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، تزامناً مع تكثيف نشاطات الاستيطان الإسرائيلية خلال عهده ومعارضة قيام الدولة الفلسطينية.

شبح ضم الأراضي

لأسباب عملية كثيرة، سبق أن حقق نتنياهو، بمساعدة كبيرة من إدارة ترامب، هدفه الأساسي في عملية السلام، أي جعل الدولة الفلسطينية شبه مستحيلة، لن يقدّم الفلسطينيون عرضاً تعجز إسرائيل عن رفضه، فقد اعترف الأميركيون حديثاً بالقدس كعاصمة وحيدة لإسرائيل ولم يحركوا ساكناً لمعارضة نشاطات الاستيطان، وأعلن نائب الرئيس السابق جو بايدن أن السفارة ستبقى في القدس، وتسيطر إسرائيل أصلاً على وحدات استيطانية واسعة وعلى غور الأردن، ولن يبدي أي رئيس حكومة إسرائيلي استعداده للتنازل عنها.

لكن رغم هذه المعطيات كلها، لا يزال شبح ضم الأراضي يلوح في الأفق، وقد تتلاشى شكوك نتنياهو ويقرر التحرك أخيراً نتيجة عاملَين. قال رئيس مجلس النواب الأميركي السابق تيب أونيل يوماً إن جميع السياسات لها طابع محلي، وخلال الانتخابات في مارس الماضي، صوّت أكثر من مليون و350 ألف إسرائيلي لحزب «الليكود»، وهي أعلى نتيجة يحققها حزب واحد على الإطلاق، وبعدما فاز «الليكود» عشر مرات في آخر 14 استحقاقاً انتخابياً محلياً، يمكن اعتباره من أكثر الأحزاب استقراراً ونفوذاً وشعبية في إسرائيل.

قد يكون نتنياهو رئيس الحزب، لكنه يعتبر «الليكود» بيته ودائرته الانتخابية وملاذه الآمن وسبب صموده السياسي، وحين حدّد تاريخاً في اتفاق التحالف لاقتراح شكلٍ من ضم الأراضي، رسّخ هذه التوقعات وسط قاعدته الشعبية وبين الأحزاب اليمينية وجماعات الضغط الاستيطانية التي يحتاج إليها في حال انهيار الحكومة وإجراء انتخابات جديدة.

إرث نتنياهو

ثم تبرز مسألة إرثه والفرصة الاستثنائية التي قدمتها له إدارة ترامب حين اقترحت عليه خطة سلام تفتح المجال أمام فرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء واسعة من الضفة الغربية وغور الأردن، إذ سبق أن أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن ضم الأراضي قرار إسرائيلي، حيث قام بومبيو قبل أيام بزيارة خاطفة إلى إسرائيل، ويريد نتنياهو حتماً أن يعرف رأي الإدارة الأميركية بخطة ضم الأراضي، لكن من المستبعد أن يعوق ترامب المحاصر هذه الخطة كونه يتوق إلى كسب الدعم في الانتخابات المرتقبة. قد يضطر نتنياهو لقبول التفاوض مع الفلسطينيين حول بقايا الدولة، لكنه يستطيع تجاوز هذا الوضع لأن الفلسطينيين لن ينضموا على الأرجح إلى أي محادثات حول دولة تقتصر على 30% من الضفة الغربية، وحتى لو فاز جو بايدن بالرئاسة الأميركية، فهل سيرغب، في ظل انشغاله بخطط التعافي الوطني في بداية عام 2021، في التشاجر مع إسرائيل حول أمرٍ واقع يدعمه معظم الإسرائيليين، بما في ذلك بيني غانتس الأوفر حظاً لتولي رئاسة الحكومة الإسرائيلية في المراحل المقبلة؟

حل وسط

قد يبحث نتنياهو عن حل وسط كونه يميل بطبيعته إلى تجنب المجازفات، وإذا قرر فرض سيادة بلده على أراضٍ إضافية، فسيبتعد على الأرجح عن غور الأردن (ومعظم المستوطنات التي يبلغ عددها 130 في الضفة الغربية)، فيركّز على جزءٍ من الوحدات الاستيطانية الواسعة التي تتوقع إسرائيل الاحتفاظ بها في مطلق الأحوال إذا جمعتها مفاوضات مع الفلسطينيين.

هذه الخطوة قد تثير استياء اليمينيين، لكنّ غضبهم لن يكون كافياً لسحب دعمهم له، حتى أنها قد تضع بيني غانتس في موقف محرج لأنه يعجز عن معارضة هذا التوجه، وستجعل نتنياهو يحافظ على علاقاته مع العرب لأنهم لا يريدون معاداة إدارة ترامب بالكامل. أخيراً، قد يستاء الفلسطينيون من تلك الخطوة، فيرفضون التفاوض كما يتمنى نتنياهو، مما يُمهّد لخطوات جذرية مثل إلغاء اتفاقية أوسلو أو تفكيك السلطة الفلسطينية، فأجمل ما في الأمر، من وجهة نظر نتنياهو الذي يحظى دوماً بفرصٍ ثانية، هو أنه يستطيع أن يضم المزيد من الأراضي ويعزز سجل إنجازاته إذا أعيد انتخاب ترامب.

• آرون د. ميلر