تذكر كتب التاريخ الحديث أنه بالرغم من التسلح المخيف والمصاريف الهائلة، فإن تلك المعدات والتجهيزات التي امتلكتها إيران في عهد الشاه أصابته بالفشل والكآبة التي بقيت تلازمه فترة ليست بالقصيرة.

يروي وزير البلاط الشاهنشاني، أسد الله علم في مذكراته، حادثة وقعت في شهر نوفمبر عام 1972 أثناء زيارة للشاه لاستعراض القوات البحرية، وكان بين الحضور حفيد هيلاسيلاسي إمبراطور الحبشة وقائد بحريتها، ثم أمر صاحب الجلالة أن تقوم مدمرتان بمناورة رماية حية لإصابة الأهداف، تم اختيار مدمرتين، أخطأت الأولى الهدف كلية أما الثانية فلم تستطع حتى إطلاق الصواريخ المحملة من مكانها!

Ad

لم تصب المدافع أهدافها فقد تكرر المشهد بحسب الرواية المنشورة في كتاب يعقوب الإبراهيم «تسمية الخليج» بعد ستة أشهر وكان ذلك في مايو 1973 لمشاهدة عمليات بحرية، ومنها سلسلة من التحركات السريعة للأسطول والرماية بالمدافع وإطلاق الصواريخ، فلم يصب أي من المدافع أهدافه بالرغم من هياج صاحب الجلالة على قائد البحرية العام، كما يروي أسد الله علم.

في حينه دار حوار بين الشاه ووزير بلاطه ننقله كما جاء في المذكرات «دع عنك موضوع الصواريخ، إنها إطلاقات قذائف المدافع التي أصابتني بالخيبة، إنهم يرمون على هدف ثابت ولا يصيبونه في حالة سلم ومن دون ضغوط، فما بالك بهدف متحرك في معمعة حرب؟ هل أعتمد على أمثال هؤلاء في تخطيط سياستي الخارجية وأغامر في مواجهة قوى أجنبية وأنت ترى أمام عينيك هذه الحفنة من «البهاليل» كما يبدون». بعدها بأشهر صدر أمر بسجن قائد البحرية الذي اختاره الشاه شخصياً.

كان محمد رضا بهلوي محكوماً بعقدة العظمة العسكرية وتفوقة التكنولوجي، أبرمت بلاده صفقات أسلحة مفرطة بالفحش، بعدما تضاعفت أسعارها عامي 1974 و1976 ثلاث مرات، فكلفة مدمرة بحرية من طراز سوبروان ارتفعت من 120 مليون دولار إلى 338 مليون دولار. وفي تلك الفترة بلغت نسبة نفقات التسلح حوالي 11% من مجموع الدخل القومي يقابله أقل من 4% في فرنسا.

غطرسة الشاه لم تقف عند حدود معينة وحدود الأمن الإيراني تعدت قاعدة «شاه بهار» على الحدود الباكستانية!

الإنفاق على التسلح كان على حساب التعليم والخدمات الصحية والتنمية البشرية والاقتصادية، والعالم يشهد ماذا فعلت عظمة الشاه باحتفالات «برسوبوليس» التاريخية التي أنفق عليها المليارات من الدولارات في الوقت الذي كانت تجمعات سكانية فقيرة عرفت «بأحزمة الفقر» تلف طهران.

وهذا ما هيأ للشعب الإيراني أن ينتفض على عرشه ورمى به الأميركيون خارج أراضيه كما يرمي القط فأرة على حد تعبير المذكرات التي كتبها في المنفى.

ما أشبه اليوم بالبارحة، فالإنفاق على التسلح ما زال يتم بوتيرة عالية وعلى حساب مستلزمات العيش الكريم، والرجوع إلى الخلف لأخذ العبرة والدروس لأن الحادث الذي تعرضت إليه الفرقاطة «كنارك» من صاروخ أطلق عليها بالخطأ من البارجة «جماران» لم يكن شيئاً جديداً، بل تكررت الأخطاء البشرية بشكل مأساوي وآخرها حادث إسقاط الطائرة الأوكرانية العام الماضي ومقتل جميع ركابها.

وسواء كان مقتل 19 بحارا وإصابة 15 آخرين على الفرقاطة «كنارك» بسبب «نيران صديقة» أو نتيجة لغم بحري، أو اختراق إلكتروني تورطت فيه البحرية الأميركية، فإن تبرير الفشل بالأخطاء البشرية قد يؤدي إلى «مواجهة مفتوحة» أو «حرب غير متوقعة» لا تحمد عقباها مع دولة أجنبية! لأنه في اللحظة التي يتم فيها إطلاق ذخيرة حية واحدة يتغير كل شيء، على حد وصف الأميرال البحري الأميركي المتقاعد «جيمس ستافريديس» الذي تولى قيادة السفن الحربية أثناء ما يعرف «بحرب الناقلات» صيف عام 1988 في مياه الخليج ومضيق هرمز.