سبحان الله، فقد تخرج من رحم المصيبة الفوائد، ولا أكاد أحصي الفوائد التي يمكن للكويت أن تجنيها من تبعات وباء كورونا، فعلى الرغم من هول الكارثة حول العالم فإن الفرص التي نزلت مع هذا الوباء لو أحسنا استغلالها لقلبنا هذه المصيبة إلى نعمة لا ننساها.

لقد اختصر لنا كورونا الأوقات الثمينة، وكشف لنا عورات كثير من أجهزة الدولة المختلفة، والتخلف الإداري الذي كانت تغرق فيه، واختصر لنا آلاف المقالات والمحاضرات والندوات التي يقولها الشعب من سنوات عديدة، عن الفساد الإداري والمالي وسوء اختيار القيادات الحكومية والانحدار في الأنظمة العامة البالية، ومخاطر الاتجار بالبشر وجريمة انقلاب التركيبة السكانية.

Ad

اختصر لنا وباء كورونا فضائح هيئة الزراعة، وفقدان دور هيئة الصناعة، وتوهان نشاط هيئة الاتصالات وهيئة الأغذية، وغيبوبة الدولة عن المناطق الموبوءة كالمهبولة والجليب، ومحاربة المزارع الكويتي واحتكار سوق الخضار والسمك، وغياب وزارة الداخلية والشؤون والقوى العاملة عن دورها في نظام الكفيل والإقامات بأنواعها، وفشل وزارة التربية وتوابعها في تطوير منظومة التعليم.

كشف لنا وباء كورونا جشع بعض مؤسسات القطاع الخاص وتخلفها عن مساندة الوطن في أزمته، وكيف تتم محاربة الكفاءات الكويتية في وظائفها ومستقبلها، وكيف يفضل الأجنبي على الكويتي بلا سبب في مواطن كثيرة، وكيف أن كثيراً من الوزارات كانت تبيعنا الوهم بخططها المستقبلية ووعودها الخادعة عن التنمية والرؤى العظيمة.

لقد أزاح وباء كورونا الغشاوة فكشف وأظهر لنا معدن الشباب الكويتيين في كل مجال سواء الصحي أو الأمني أو المدني والتطوعي، واختفى التافهون والتافهات من مشاهير التواصيل الاجتماعي، ولم يعد لصوتهم قيمة، وجعلنا نتمسك أكثر بالقطاعات الناجحة في البلد وعلى رأسها الجمعيات التعاونية ومطاحن الدقيق، وأشعرنا فعلاً بخطورة الخصخصة التي وقعت في غفلة من الزمن لبعض القطاعات في البلد.

فضح لنا وباء كورونا أداء مجلس الأمة، وكشف لنا عجزه عن القيام بدوره خلال هذه الأزمة، وهذا ليس بسبب نظامه وصلاحياته بل بسبب النوعية الانتهازية المتغلبة عليه والتي أفقدته مكانته الوطنية الصحيحة بين السلطات الثلاث حتى عجز المجلس عن أبسط أعماله وواجباته، وهو عدم عقد جلساته أسابيع متتالية في سابقة دستورية لم تشهدها الكويت من قبل.

إن الحكومة أمام فرصة تاريخية لتصويب أوضاع الكويت وحلحلة مشاكلها المزمنة التي عراها وباء كورونا، وهي فرصة ثمينة جداً تشابه فرصة عهد البناء والتعمير بعد التحرير التي للأسف لم نستفد منها، واليوم يعيد التاريخ نفسه وتتاح لنا فرصة ذهبية لتصحيح أوضاع الوطن والمواطن، فهل تستوعبها الحكومة؟ وهل يستثمرها الشعب؟ "وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ".

والله الموفق.