في أوروبا من المتوقع أن تتضاعف الصدمة الاقتصادية الداخلية التي خلفها فيروس كورونا نتيجة صدمة أمنية خارجية ترتبط بالانهيار الاقتصادي في محيطها، ولأسباب كثيرة لا تزال البلدان الواقعة في جوار جنوب أوروبا وشرقها معرّضة جداً لهذا السيناريو الكارثي.

لا تستفيد هذه البلدان ذات الدخل المتوسط، بما في ذلك تركيا وأوكرانيا ومصر والمغرب، من مبادرات عالمية مثل برامج تخفيف أعباء الديون بقيادة صندوق النقد الدولي الذي يستهدف الدول الأقل تطوراً، لكنها تفتقر إلى الموارد المحلية للنهوض من الركود العميق الذي ينتظرها، وبسبب تنامي النزعة إلى تجنب المجازفات في الأسواق العالمية، انحصرت خيارات زيادة الديون. تدهور أيضاً الوضع الاقتصادي نتيجة الانهيار المرتبط بفيروس كورونا، فزادت المخاوف من التفكك الاقتصادي والاضطرابات السياسية.

Ad

يشهد العالم اليوم نشوء عاصفة مثالية على حدود أوروبا، وأدى خليط الركود الاقتصادي واختلال ميزان المدفوعات وارتفاع نسبة البطالة إلى ظهور تحديات هائلة قد تهدد العقود الاجتماعية المحلية.

على غرار الاحتجاجات الراهنة في لبنان، ستتعرض الحكومات للضغوط من جانب جماعة متوسعة من العاطلين عن العمل والمواطنين المحرومين، ويسهل أن تنشئ الاضطرابات السياسية والاقتصادية اللاحقة ظروفاً مثالية لزيادة التطرف في هذه المجتمعات المنكوبة، لكنها ستطلق أيضاً حركات جديدة عابرة للحدود وتجدد موجات تدفق اللاجئين عبر البحر الأبيض المتوسط.

في مطلق الأحوال، بقي رد الاتحاد الأوروبي حتى الآن خجولاً جداً، فخصصت بروكسل مبلغ 15.6 مليار يورو (17 مليار دولار) لحزمة "فريق أوروبا" التي انطلقت في شهر أبريل الماضي دعماً للبلدان الشريكة التي تحاول معالجة آثار أزمة كورونا، وتساوي هذه القيمة نحو 3% من التمويل الأصلي الذي خُصّص لحكومات الاتحاد الأوروبي لتحقيق الهدف نفسه وبلغ 500 مليار يورو (547 مليار دولار).

ويمكن اللجوء إلى خيارَين غير مكلفَين ولم يجرّبهما أحد بعد:

أولاً، دعت أطراف كثيرة صندوق النقد الدولي إلى زيادة حقوق السحب الخاصة من 286 مليار دولار في الوقت الراهن إلى تريليون دولار لمنح جميع البلدان موارد إضافية لمحاربة تداعيات الفيروس، فحقوق السحب الخاصة هي عبارة عن أصول احتياطية دولية ابتكرها صندوق النقد الدولي، لكن الحكومة الأميركية عاقت هذا الاقتراح، فواشنطن محقة حين تقول إن هذه الزيادة ستفيد البلدان الأكثر ثراءً، لكن ربما يتعلق التردد الأميركي أيضاً برفض تقديم مساعدة مالية إلى بلدان مثل إيران وروسيا.

في ظل غياب أي إجماع عالمي حول هذا الموضوع، يجب أن تفكر حكومات الاتحاد الأوروبي بتحويل حقوق السحب الخاصة التي يملكها صندوق النقد الدولي إلى البلدان المجاورة التي تواجه مصاعب مادية، مما يعني تقديم حوافز مالية بقيمة 95 مليار دولار من دون أن يتأثر الاتحاد الأوروبي والميزانيات الوطنية من الناحية المالية.

ثانياً، يجب أن يزيد البنك المركزي الأوروبي مساهماته لإقرار ترتيبات مبادلة مع البنوك المركزية في البلدان الشريكة، وبموجب هذه الخطة، ستحصل البلدان المستفيدة على مبالغ باليورو من البنك المركزي الأوروبي مقابل تقديم ضمانة بالعملة المحلية.

يبدو أن الاتحاد الأوروبي بات يتوق أخيراً إلى إطلاق استجابة مُنَسّقة لأزمة فيروس كورونا بعد مرحلة أولى من المراوغة، لكن يكمن الخطر الفعلي اليوم في بقاء استجابات الحكومات الأوروبية منغلقة أكثر من اللزوم، حتى أنها تغفل عن خطورة الأزمة الإقليمية المحيطة بها.

*سينان أولجان